عبد القهار العتابي يكتب | إضاءة مسرح ريتشارد فاغنر

0

رأى الاديب والشاعر والمخرج والموسيقي الالماني (ريتشارد فاغنر RichardWagner 1813-1883) ان الاضاءة تبرز طبائع الشخصيات من خلال مرافقة ظهور كل شخصية بلون ينسجم مع طباعها فتؤثر بها وعليها مما يدفع هذه الشخصية الى الاخذ بهذا التأثير على نحو واسع في بناء الصورة المشهدية ، وفي عهده بدأت الاضاءة تأخذ دورها التقني والفني في عملية خلق الاجواء الدرامية من خلال مرافقتها للشخصيات فكل شخصية لون معين يدل عليها سواء شريرة كانت أم خيرة. لذلك كان يعمل على خلق مشاهدة متنوعة من خلال رسم اللوحة الدرامية بإمكانيات الضوء والوانه في العمل الانتاجي بشكل اساسي والاستفادة من صفة الخلق والتكوين الدرامية، التي يتمتع بها الضوء اضف الى ذلك كان للألوان الضوء واستخداماته العامل الاساسي في خلق الحالة الشعورية والدرامية ففي اوبرا خاتم النيبلنغين مثلاً توظف في نهايتها دلالة اللون الأزرق الصافي الذي يرتبط تراثياً بالسيدة العذراء ، أما اللون الأسود في المسرح فيعني الحداد على عكس الذهبي والوردي اللذين يوحيان بالأمن والمرح ولذا يستخدمان كثيراً في عروض البانتومايم خاصة في فترة أعياد الميلاد ، وتنشط دلالة الألوان وفاعليتها الدرامية بصورة خاصة حين تتعارض الحالة الشعورية مع اللون المستخدم. فقد عمل الضوء والوانه على تفعيل الحالات الشعورية المنسجمة او المتعارضة مع الحدث المسرحي الذي يبني حالة شعورية او يهدمها وفق الإضاءة ولونها ،كذلك في عروض ” فاغنر” كانت الاضاءة هي العنصر المكون للحدث الدرامي كما يظهر ذلك في الفصل الثاني من مسرحية “تريستان وايزولده” عندما تدخل إيزولده تری فقط: المشغل المضيء كرمز لتريستيان ، والفراغ المظلم حوله ، فهي لا ترى حديقة القلعة التي تبعد عنها بمسافة في تلك الليلة المضيئة ، فالأمر بالنسبة لها فراغ مرعب يقرفها عن تریستیان ، فقط نظل الشعلة كما هي في مكانها دليلاً على انفصالها عن الرجل الذي تحبه ، تطفئها في النهاية فيقف الزمن دون حركة ، يتوقف الزمان والفراغ وأصداء العالم الطبيعي والشعلة ذات التهديد قد زالوا جميعا ، ولم يبقى شيء لأن تريستيان أصبح بين ذراعيها.
فقد نرى ان التنوع الذي تخلقه الإضاءة يساعد على إعطاء التصور الذهني عن مكامن الحدث الدرامي، اذ تمثل خط الفعل المتصل والمتصاعد في إعطاء الشعور في الجو العام للعمل و تعمق الاحساس العاطفي، الذي يتولد من نتيجة الخيال المطلق في العرض.
من خلال ذلك نلاحظ بشكل جلي ان الاضاءة لعبت دورا هاما وكبير في تكوين وبناء المشهد الدرامي، في مسرح فاغنر، من خلال تناسق وانسجام اللوانها، مما ادى الى اضفاء الحالات الشعورية سواء كانت حالات(خير او شر، حزن او فرح) وغيرها من الحالات المتعددة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.