إبراهيم إسماعيل يكتب | العدالة في مواجهة العقوبات

0

قرار مجلس النواب الأمريكي بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يمثل تطورًا خطيرًا وغير مسبوق في علاقة الولايات المتحدة بالمؤسسات الدولية. جاء هذا القرار بعد إصدار المحكمة مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، استنادًا إلى اتهامات بارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة. العقوبات تشمل تجميد الأصول، حظر السفر على مسؤولي المحكمة، ووقف التعاون معها، ما يعكس رغبة أمريكية واضحة في حماية حلفائها، وفي مقدمتهم إسرائيل، من المحاسبة الدولية.

إن هذا القرار يُظهر ازدواجية واضحة في تعامل الولايات المتحدة مع قضايا العدالة الدولية. فعلى الرغم من أنها تدّعي دعم حقوق الإنسان وسيادة القانون، فإنها تسعى من خلال هذه العقوبات إلى تقويض عمل المحكمة الجنائية الدولية، وهي الهيئة الوحيدة التي تعمل بشكل مستقل لمحاسبة مرتكبي الجرائم الجسيمة.ما يثير القلق هنا أن هذه العقوبات لا تؤثر فقط على المحكمة، بل تمتد آثارها إلى الضحايا الذين يبحثون عن العدالة. الفلسطينيون، الذين يعانون منذ عقود من الاحتلال والانتهاكات، يواجهون الآن محاولة لتعطيل أي مسعى قانوني لتحقيق العدالة. إن فرض هذه العقوبات يعني عمليًا منح الحصانة للمسؤولين المتهمين بارتكاب جرائم، مما يشجع على ارتكاب المزيد من الانتهاكات في المستقبل.

القانون الأمريكي الذي استند إليه مجلس النواب، والمعروف باسم “قانون لاهاي”، قد تم تصميمه في الأصل لحماية الجنود والمسؤولين الأمريكيين من الملاحقات القضائية غير المبررة. لكن تطبيقه بهذه الطريقة يعكس استغلالًا سياسيًا للقانون، ويؤكد أن الولايات المتحدة تسعى لتكون فوق القانون الدولي.

المحكمة الجنائية الدولية ليست أداة سياسية، بل مؤسسة قانونية مستقلة تهدف إلى تحقيق العدالة للضحايا بغض النظر عن جنسية أو مكانة المسؤولين المتهمين. وبالتالي، فإن استهدافها بعقوبات سياسية هو عمل خطير يقوض النظام القانوني الدولي بأكمله.

فعلى الصعيد الدولي، قوبل القرار الأمريكي بانتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان والعديد من الدول. فالعدالة الدولية يجب أن تكون بعيدة عن النفوذ السياسي، وأي محاولة لتقويضها هي تهديد مباشر لمبادئ العدالة وسيادة القانون.

بصفتي معارضًا لهذا القرار، أرى أنه يعكس تواطؤًا ضمنيًا مع الجرائم ويشجع على الإفلات من العقاب. إذا كانت الولايات المتحدة تؤمن حقًا بقيم العدالة وحقوق الإنسان، فعليها احترام استقلال المحكمة الجنائية الدولية ودعم عملها بدلًا من عرقلته.و إن إضعاف المحكمة الجنائية الدولية لا يخدم أحدًا سوى مرتكبي الجرائم، ويبعث برسالة خطيرة مفادها أن العدالة اختيارية وليست حقًا أصيلًا لكل البشر. العدالة الدولية ليست ترفًا أو أداة سياسية، بل هي ضرورة لتحقيق السلام ومنع الجرائم ضد الإنسانية. لهذا، علينا جميعًا الدفاع عن استقلال المحكمة ودورها الأساسي في إرساء قيم العدالة عالميًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.