في يناير من كل عام، تستضيف القاهرة أكبر تجمع للكتاب في العالم، ورغم آلاف الأعمال الأدبية، التي تنشر سنويا، فإن حجم المبيعات ضئيل جدا مقارنة بعدد الزائرين، وعدد الصور التذكارية التي التقطت، حيث شهد المعرض السابق توافد 5 ملايين زائر! ربما هناك غالبية من الزائرين، تدعي الثقافة يقابلها غالبية من المؤلفين، تعاني من نفس الداء، فأصبح الكاتب، يوهم الزائر أنه مبدع، والزائر يوهم الكاتب، أنه قارئ، والتظاهر بالثقافة هنا، حقق الكارثة.
والسؤال، هل هناك أشياء للجيل الجديد، تستحق أن تقرأ؟
ربما نعم، ولكن نعيد لنتساءل لماذا لم يظهر نجم أدبي واحد له شخصية نتوقف عندها، ونقول هذا أديب له أسلوبه الخاص المميز، مثل العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ والرافعي ويحيي حقي وتوفيق الحكيم وغيرهم من الأفذاذ؟
إن عدم اكتشاف أديب أو كاتب له وزن في الآونة الأخيرة، في نظري، لا يرجع إلى غياب المواهب بقدر ما يرجع لغياب المكتشفين وهم “النقاد”، حيث تراجع دور كليات الآداب في تخريج النقاد في الفترات الأخيرة، ولم تعد كما كانت في الماضي، تفرز مبدعين في مجال الأدب بكل فروعه، قد نقول عنهم أيضا إنهم ضحايا لكونهم “جيل بلا أساتذة” من ناحية، ولغياب ذوق جمهور القراء من ناحية أخرى، فالنص مهما كان عظيما، إذا قرأه عقل صغير، يتحول هذا النص نفسه إلى نص صغير.
إن كان هناك عمل جيد لكاتب شاب موهوب فهذا العمل، يضيع وسط زحام المعروض، وهذا نتيجة لأن الجمهور تائه، لا يستطيع أن يحدد جودة العمل ومستواه، نتيجة لاهتمام دور النشر بنشر أكبر عدد من الكتب دون اهتمامهم بجودة تلك المنتجات الثقافية والفكرية، وبعض القراء الأكثر خبرة، مازالوا لا يثقون إلا في القديم بسبب تجارب سيئة عند محاولتهم لتذوق الجديد، فالفكرة عن الجديد، أصبحت سيئة السمعة، رغم وجود مبدعين، وإن كانوا عددهم قليل جدا، ولكنه عدد قد يكفي لنبدأ من خلاله إذا وجدناه!
يجب أن يكون هناك ناقد ونشاط نقدي مميز، ليراجع تلك الأعمال، ويفرزها ويتوقف عند الجيد منها، ويتجاهل غير الجيد، وذلك قبل أن يقرر لها نشرها في المعرض، وليس من حق دار النشر، أن تشترك في معرض القاهرة الدولي للكتاب، إلا بعد مراجعة دقيقة إذا أردنا أن نرتقي بسمعة المعرض التاريخية..
والنقد في صالح الكاتب الجيد، فأحيانا النقد، هو الذي يصنع الكاتب عندما يصحح من أخطائه، ويعمق خبراته.
النقد هو كشف مواضع الجمال، والنقص في العمل الأدبي.
إن النقد الأدبي، ينصب على “الأدب” لا على الأديب، والأدب لا يهتدي، ولا يضل انما الذي يضل أو يهتدي هو الأديب.