د.أحمد حفظي يكتب | نهاية القطب الواحد

0

على مدار عقود، سيطرت فكرة القطب الواحد على السياسة الدولية، حيث كانت الولايات المتحدة القوة العظمى، التي تحكم اللعبة السياسية والاقتصادية. ولكن اليوم، تتسارع التغيرات الجيوسياسية، ما يطرح سؤالًا ملحًا: هل نشهد بداية نهاية هذا النظام؟ برؤية شخصية– كيف أن العالم يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب، وما هي التحديات والفرص التي قد تبرز خلال هذه التحولات.

النظام الأحادي: إرث يقترب من الزوال
منذ سقوط الاتحاد السوفيتي، هيمنت الولايات المتحدة على السياسة الدولية، محققة نفوذًا لم يسبق له مثيل. ولكن هذا التفوق بدأ يتآكل تدريجيًا بفعل عوامل متعددة، أبرزها الصراعات الداخلية التي أضعفت صورتها كقائد عالمي، بالإضافة إلى التحديات الخارجية المتزايدة، النظام الأحادي الذي استمر لعقود لم يعد مستدامًا في عالم يعج بالتغيرات التكنولوجية، الاقتصادية، والسياسية

الصين وروسيا: صعود الأقطاب المنافسة
الصين، اليوم، ليست مجرد منافس اقتصادي، بل لاعب استراتيجي، يسعى لإعادة تشكيل موازين القوى الدولية. من مبادرة الحزام والطريق إلى توسعها العسكري في المحيط الهادئ، تمثل الصين نموذجًا لقوة صاعدة، تريد دورًا أكبر في صنع القرار العالمي.
أما روسيا، فرغم العقوبات الدولية، لا تزال قادرة على فرض إرادتها، كما يتضح من تدخلها العسكري في أوكرانيا وتحالفاتها مع دول في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية. في رأيي، ما نشهده ليس مجرد صراع على النفوذ، بل إعادة صياغة كاملة لمعنى “القوة العظمى” في القرن الحادي والعشرين.

العالم العربي: بين الفرصة والتحدي
العالم العربي في قلب هذه التحولات، حيث يبدو أن موازين القوى الإقليمية في حالة إعادة ترتيب. من اتفاقيات التطبيع إلى التركيز على التنويع الاقتصادي في الخليج، بدأت دول المنطقة في رسم أدوار جديدة.
لكن التحدي، يكمن في توحيد الجهود وتحقيق الاستقلالية بعيدًا عن تدخل القوى الكبرى. برأيي، الدول العربية تمتلك فرصًا هائلة للعب دور حاسم في النظام العالمي الجديد، ولكن ذلك يتطلب إرادة سياسية مشتركة ورؤية طويلة المدى.

النظام العالمي الجديد: فرصة أم تهديد؟
بينما يتفكك النظام القديم، تبرز فرصة لإعادة توزيع القوى بشكل أكثر عدالة. الدول الصغيرة والمتوسطة لديها اليوم مساحة أكبر، لتحقيق استقلالها السياسي والاقتصادي، خاصة إذا نجحت في استثمار التغيرات الجارية.
لكن في الوقت نفسه، قد يؤدي غياب التوافق الدولي إلى فوضى عالمية أكبر من أي وقت مضى. من وجهة نظري، النظام العالمي الجديد يحمل إمكانيات واعدة، لكنه يتطلب قيادة حكيمة من القوى الإقليمية لضمان الاستقرار.

مستقبلنا على المحك
التغيرات الجيوسياسية ليست مجرد عنوان في الأخبار، بل حقيقة تؤثر على كل دولة وكل فرد. ما نراه اليوم ليس نهاية حقبة فحسب، بل بداية مرحلة جديدة، قد تعيد تشكيل النظام العالمي لعقود قادمة.
رسالتي لكل الدول، وخاصة دول العالم العربي، أن تدرك أن هذه التحولات، ليست تهديدًا فقط، بل فرصة لإعادة بناء دورها ومكانتها. التاريخ يُكتب الآن، والقرار بيد من يملك الجرأة على التحرك. وعلي الجميع سواء قادة الدول أو الشعوب أن يدركوا أن المستقبل، لم يعد حكرا على أحد والتحرك بحكمة خلال هذه المرحلة الانتقالية قد يحدد مصير الأجيال القادمة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.