حافظ عثمان يكتب | اللاعب رقم واحد

0

شهدت مباراة كلاسيكو كرة القدم المصرية الأخيرة بين الأهلى والزمالك أجواء حماسية استثنائية، خصوصًا في الشوط الثاني، ولا جديد فنحن أمام واحد من أهم الديربيات في العالم وأقدم ديربي في المنطقة، وتزامنت إقامة المباراة مع انطلاقة جديدة لقنوات “أون سبورت”، وتطوير الهوية البصرية للدوري المصري، وأبهرتنا جميعًا عودة أرضية استاد القاهرة الدولي التاريخي إلى رونقها بعد التجديد والتي ستؤثر كفاءة عملها بلا شك على جودة أداء اللاعبين.
وأُضيف على تلك المظاهر الإيجابية الحضور الجماهيري، فبرغم قلة عددهم كانت المدرجات عامرة بالشغف والحماس والروح العالية، فالجمهور هو اللاعب رقم 1 قبل كل اللاعبين، إذ يشكل نبض اللعبة وحافز الأندية والمنتخبات، هو سبب الانتصار وصاحب البطولات لأي فريق، فمن أجله تُلعب كرة القدم.
يتسع ملعب استاد القاهرة الدولي إلى 75 ألف مشجع، وتم تحديد الحضور الجماهيري 30 ألف مشجع في مباراة القمة رقم 129، وهو ما كان بنسبة 40% تقريبا من سعة الاستاد، وهي خطوة إيجابية على طريق عودة الجمهور للسعة الكاملة.
فالحضور الجماهيري في مباريات كرة القدم وخصوصا مباريات الديربي لطالما كان عنصراً أساسياً في زيادة متعة المباريات ورفع أداء اللاعبين وجعل المباريات أكثر تنافسية وكان يميزه التيفوهات القوية ذات الرسائل، وهو ما يفتقده الدوري المصري حاليًا، فقبل الأحداث المؤسفة في عامي 2012 و2015 كان متوسط الحضور الجماهيري في الدوري المصري يتراوح ما بين 30 ألف إلى 80 ألف حسب طرفي وأهمية المباراة، وامتلأ استاد القاهرة حينها عن آخره في كلاسيكو العرب.
تغيرت الأمور بعد عام 2015 وأصبح الحضور الجماهيري محدودًا للغاية في البطولات المحلية، حيث اقتصر على 5 آلاف إلى 10 آلاف مشجع فقط، وهو ما أثر بشكل ملحوظ على الأجواء الحماسية للمباريات، فاللعب أمام مدرجات فارغة يؤدي إلى هبوط مستوى المنافسة، وتراجع القيمة التسويقية للدوري وعوائد الأندية، وتأخر المواهب عن التطور ويؤثر على إعدادهم للاحتراف الخارجي.
ومع تحسن الأوضاع الأمنية في السنوات الأخيرة، ومع الإجراءات التنظيمية المستحدثة من قبل رابطة الأندية المحترفة والشركة المتحدة، بدأت عودة الجمهور للمدرجات بشكل تدريجي يتناسب مع خطط التأمين وإدارة المباريات بسلاسة، بما يضمن سلامة جميع المشجعين، إلا أن العودة الكاملة للجماهير لا تزال غير مكتملة، هذا الأمر قد يكون مقبولاً في مرحلة إعادة التأهيل، لكنه يطرح تساؤلاً هامًا حول موعد استعادة السعة الكاملة، خاصة بعد نجاح التجارب السابقة في استضافة البطولات التي شاركت فيها المنتخبات الوطنية على أرض مصر، وأيضا استضافة الديربي خارج مصر في دول الخليج (الإمارات والسعودية) على مستوى البطولات المحلية والقارية، والتي شهدت حضورًا جماهيريًا بالسعة الكاملة، مع تنظيم مثالي يعكس مدى أهمية التخطيط الدقيق والإجراءات الحديثة في نجاح التجارب، وذلك بتعاون كافة الجهات المعنية.
الجهات المنظمة لم تدخر جهدًا في محاولات تطوير الرياضة وتحسين تجربة المشجع داخل الملاعب المصرية، حيث شهدت المنظومة تطورًا ملحوظًا بفضل جهود وزارة الداخلية ورابطة الأندية المحترفة، بالإضافة إلى الشركات المتخصصة مثل “تذكرتي” التي قامت بتطبيق أنظمة إلكترونية حديثة لضبط عملية الحجز والدخول، ما أسهم في تقليل العشوائية ورفع مستوى الأمان، و”المتحدة للخدمات الإعلامية والرياضة” في تحسين جودة البث التلفزيوني وتقديم تجربة مشاهدة متطورة، وتنظيم وتسويق الفعاليات الرياضية الكبرى، وتنظيم مسابقات اكتشاف المواهب، وتحسين البنية التحتية للملاعب، كما أن تطوير استاد القاهرة وظهوره بحلة جديدة بأرضية مميزة وتجهيزات حديثة، يعكس مدى الاهتمام بتهيئة الملاعب لاستقبال اللاعبين والجماهير. إعادة السعة الكاملة للجمهور يحتاج إلى خطوات إضافية، على رأسها تعزيز الثقة في منظومة التأمين والتنظيم بعد نجاحات تنظيمية مثل كأس الأمم الإفريقية 2019، وتقنين أوضاع روابط المشجعين لضمان دورها الإيجابي في التشجيع دون تجاوزات، خاصة في ظل توفر بيانات المشجعين عبر أنظمة التذاكر الذكية وبطاقة المشجع، مما يتيح فرصة لتنظيمها بشكل أكثر أمانًا، وكذلك فإن تحسين الخدمات داخل الاستادات سواء من حيث البنية التحتية أو وسائل الراحة للمشجعين، سيساهم في جعل التجربة أكثر جذبًا للجمهور.
استعادة المشهد الجماهيري ليست مجرد رغبة رياضية، بل ضرورة اقتصادية وثقافية، والجهود التي بذلتها الجهات المعنية قطعت شوطًا كبيرًا في تطوير منظومة حضور الجماهير، لكنها بحاجة إلى دفعة إضافية ليعود اللاعب رقم 1 إلى مكانه الطبيعي في المدرجات، وما شهدناه في مباراة الديربي الأخيرة يعكس أن العودة أصبحت أقرب من أي وقت، وهو ما يتطلب استمرار التعاون بين كافة الجهات المعنية لضمان استعادة أجواء الكرة المصرية الحقيقية المليئة بالإثارة والحماس والروح الرياضية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.