..لم يمر أيام على قدوم ترامب للبيت الأبيض، حتى أصبح العالم “يكلم نفسه” صرح خلالها بتصريحات لا تخرج من شخص مسئول يحكم أكبر دولة في العالم.
طالب بضم كندا، لتصبح جزءا من الأراضي الأمريكية متجاهلا في الأساس أن مساحة كندا أكبر من مساحة
الولايات المتحدة نفسها! وفي اليوم التالي، يصرح بأن قناة بنما، يجب أن تتبع الإدارة الأمريكية متجاهلاً أن بنما دولة مستقلة باعتراف الأمم المتحدة ذاتها!
ثم يشترط على السعودية شرطا تجاريا، لا يصدر من رئيس بحجم الولايات المتحدة، أن يحدد سعر زيارته لدولة
ما قائلا “سأزور السعودية إذا اشترت بما قيمته 500 مليار دولار”.
ويهمش إنجلترا الحليف الأقوى تاريخيا للولايات المتحدة للمرة الثانية، ليخرج عن القواعد العامة والعرف المتفق عليه في أمريكا، وهو دائما أن تكون الزيارة الأولى للرئيس الأمريكي إلى المملكة المتحدة.
ثم يعلن الحرب الاقتصادية على الصين من خلال فرض المزيد من القيود والرسوم الجمركية على منتجاتها،
ولا تسلم أوكرانيا الجريحة من حربها مع روسيا من تصريحاته، حيث طلب منها التنازل عما تمتلكه من معادن ثمينة للولايات المتحدة!
حتى خليج المكسيك المكتشف من العصور الوسطى، لم يسلم من قراراته، فغيره للخليج الأمريكي!
بعد ذلك انتقل للقضية المثيرة للجدل بعد استقباله لرئيس وزراء إسرائيل في البيت الأبيض، قائلا: على الجنيرال المصري، والملك الأردني استقبال سكان غزة، هم أصدقائي، سوف يفعلون، وكررها ثلاث مرات، لقد فعلنا من أجلهم الكثير..
نعم قال كل هذا في عشرين يوما فقط من توليه الحكم، فماذا سيقول طيلة أربعة سنوات؟
كل هذه تصريحات من رجل أعمال من أصول ألمانية، فمفهوم الوطن لا يشعره ترامب، هو يفكر كرجل
أعمال، يعرف سعر كل شيء، ولكنه لا يعرف قيمة أي شيء.
نحن أمام شخص، لم يقرأ كتابا في حياته، هو مطور عقاري، تتلخص كل خبراته في عقد الصفقات، فهو في
حاجة لمن يقرأ له التاريخ والقانون الدولي والمعاهدات التي أبرمتها الولايات المتحدة سابقا، ولكنه يبدو أنه، مازال يشاهد مباريات المصارعة الحرة، التي لا تعترف بقانون محدد، أنها فقط تعترف بالقوة!
في الفقه “لا ينسب لساكتٍ قول”، وترامب يتحدث كثيرا، ويقول على لسان الآخرين ما لم يقولوه، ويبدو أنه صريح لحد الجنون والوقاحة.
بعض المحللين، يستند على الاخلاق عند تحليله للسياسة، مع أن السياسة والأخلاق، لا يلتقيان طالما هناك شخصيات مثل ترامب ونتنياهو، والسياسة الأمريكية عموما هي فن من فنون السفالة الأنيقة والكذب الرشيق.
إن اختيار دونالد ترامب من غالبية الشعب الأمريكي يعبر عن الاقتناع بأدائه، وأننا لسنا أمام شخص يمكن
فهمه بسهوله، فمن يصل للبيت الأبيض مرتين غير متصلين ليس سهلا.
أمريكا ترحب بالمشاكل الدولية بصفة عامة باعتبارها “محكمة العالم”، تضم على أرضها جميع المنظمات الدولية.. وإن اختفت الصراعات والجرائم في العالم، فالمحكمة ستغلق. لذلك أمريكا، لا تريد سلاما في العالم لسببين رئيسيين: استمرار مصانع السلاح في الإنتاج والتصدير، واستمرار قيادتها للعالم بحجة حماية
المستضعفين في الأرض.
ان الولايات المتحدة الامريكية، أعطت نفسها دور المسئول العالمي عن حقوق الانسان، وهذه قضية نبيلة، لكن نبلها يفرض على القائم بمسئوليتها، أن يتجرد من أهوائه، وأن يشهد حين يشهد، وينطق حين ينطق بالحق ولا شيء غيره بصرف النظر عن الموضع، الذي ينزل على سيف هذا الحق .
لكن ما يحدث هو أن التقارير الأمريكية عن حقوق الإنسان، تُستعمل كما تستعمل السياط، تجلد المخالفين، أو ترهب المترددين ، وتسوق الجميع إلى حيث يطلب منهم أن ينساقوا، وأما الموالين والمتعاونين، فإن السياط لا
تمسهم .
رئيس وزراء إسرائيل في الحقيقة هو مجرم حرب، وإن كانت أمريكا دولة حيادية، لكان في محكمة العدل الدولية محكوما عليه بالإعدام.. لكم ما حدث عكس ذلك من رئيس المحكمة، حيث تم استقباله بترحيب شديد في
البيت الأبيض كأول مسئول يزور ترامب بعد توليه المنصب.