عادل الباجوري يكتب | العلاقات الإجتماعية علي مواقع التواصل

0

العلاقات الاجتماعية على مواقع التواصل

‌عادل الباجوري

‌ظاهرة اجتماعية تزامن وجودها مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وهي شكوى جماعية من الكل ضد الكل.
‌مناجاة مستمرة، وإعلان التجني من الآخر، والتجاهل المتعمد، ونسيان الماضي بعطاءاته، ونكران الجميل. كلٌ ‌يشكو قرينه شكوى مستمرة دون توقف، وإن توقفت، تتوقف بإعلان الحمد والشكر لله على الظروف التي أظهرت وأوضحت الحقيقة الغائبة، وكأن الظرف الكاشف بمثابة الصدمة الكهربائية، التي أفاقت الشاكي من الغيبوبة، وأن انتهاء العلاقة وغياب القرين، وأختفائه من حياته هو يوم عيد وجب الاحتفال به يوميا، لذا وجب، بل وأصبح لزاما ‌إعلان الوحدة والعيش منفردا بعيدا عن جميع البشر ومصاحبة الحيوانات، حتي وإن كانت مفترسة، ستكون أهون
‌عليه من بني البشر، ما يميز هذه الظاهرة، أن كل الأطراف مظلومة، وكل الأطراف ظالمة، وأن الكل سعيد بظهور الكل على حقيقته، فتقرأ عبارات الشجب والاستنكار والاستهجان حال هؤلاء كحال الحكومات العربية،
‌بالفعل هي مشكلة معقدة، وما زاد من تعقيدها إلا شبكات التواصل الاجتماعي، تلك الساحات الرحبة التي تتسع لكل ‌الناس، ولكل الأشياء، مع وجود فراغ حياتي فضفاض، وبالتالي اذدهرت الفضفضة الفردية على تلك المواقع، ‌فأصبح كل فرد، لا يرى إلا نفسه المفطورة على القيم والمبادئ المثلى، ترتدي ثوب الفضيلة، ويرى الأخر عاريا لا
‌يجد ما يواري سوأته مع أن جميعنا بلا استثناء، يعيش في نعم، ومنافع حبانا الله بها وسخر لنا كل مافي الكون لخدمتنا، ولو تفكرنا في هذا الأمر، ما انقضى عجبنا، ولكن الجفوة والبعد الذي نعاني منه جميعا ونشكو قسوته، هو ‌سوء تقدير منا للواقع الذي نعيشه، ومن أسباب سوء التقدير هو استخدام التكنولوجيا استخداما خاطئا والدخول إلى ‌الحداثة من مداخل خاطئة، فطرقنا أبوابها الخلفية وليست الأمامية، وأيضا بعدنا عن المعايير التي أمرنا بها ديننا الحنيف، سواء في القرآن الكريم أو في سنة نبينا العظيم في إدارة العلاقات الاجتماعية، والقاعدة التي تحكم
‌علاقاتنا هي العطاء والنفع، وإذا ما كانت تلك القاعدة هي نقطة انطلاقك، فأعطيت ونفعت غيرك لا تجعلها سوطا أو
‌مذلة تجلد أو تهين بها الآخر، ولكن أجعلها لله تبتغي بها رضوانه جل وعلا، والمرء في دنياه يمر ويواجه اليسر
‌والعسر، وإن كان لك اليوم فغدا سيكون عليك، وما قدمته لن يضيع عند الله سبحانه وتعالى، لا سيما وأننا نمر هذه الحقبة
‌بمصاعب دنيوية، يعاني منها المعظم، لذا وجب الوقوف والتكاتف لعبور هذه المرحلة، وإذا كان باستطاعتنا منفعة
‌غيرنا في دينه ودنياه، ولم نفعل، فنكون قد حرمنا أنفسنا عظيم الأجر، لتقاعسنا عن تقديم الخدمة والنفع، وهذا من
‌أفضل الأعمال، وأفضل ما ينفع به العبد غيره، أن يذكره بالله دائما، وبما له من حقوق وما عليه من التزامات تجاه
‌ربه، وأن يكاتفه في محنته الدنيوية، وحاضنة الإنسان الاجتماعية، تقتضي التشارك والتعاون بحب وإخلاص، يقول ‌الإمام الشافعي، رحمه الله
الناس بالناس مادام الحياء بهم… والسعد لاشك تارات وهبات
وأفضل الناس مابين الورى رجل … تقضى علي يده للناس حاجات
لاتمنعن يد المعروف عن أحد … مادمت مقتدرا فالسعد تارات
وأشكر فضائل صنع الله إذ جعلت … إليك لا لك عند الناس حاجات

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم … وعاش قوم وهم في الناس أموات
‌والأحاديث النبوية كثيرة في ذكر فضائل النعم والتعاون والمحبة والنفع، ففي صحيح مسلم قال جابر بن عبد الله،
‌رضي الله عنهما: لَدَغَتْ رَجُلًا مِنَّا عَقْرَبٌ، وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ ‌رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرْقِي؟ قَالَ: (مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ) .
‌من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل، كل نفع تقدمه للناس ابتغاه وجه الله، فإن هذا يكون من جلة العبادات المكفولة ‌عند الله عز وجل، ومن يتبني نهج البعد عن الناس غنيمة، ويعلن ذلك صراحة وينهجه كأسلوب في حياته، بل ‌ويتشرف بذلك من مدخل نفسي نفسي، أو من منطلق البعد عن الناس غنيمة، فقد حرم نفسه، رضا الله، قال سبحانه وتعالى ‌(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ‌‌).
ومما قرأت في تفسير تلك الآية، أن في البر رضا‍‍ الله، (وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب)، وفي التقوي رضا الله تعالى، ومن جمع بين رضا الله تعالى، ورضا الناس فقد تمت سعادته، هدانا الله وإياكم ‌لما فيه الخير.
‌وأخيرا أود القول إن التكنولوجيا لم تظلمنا، ونتيجة الفهم الخاطئ والاستخدام السيئ لها تفرقنا اجتماعيا، وظلمنا
‌أنفسنا تلك التي فٌطِرَتْ وجٌبِلَتْ على الخير، وما لها من عودة إلا بالعلم والمعرفة والتمسك بثوابت الدين
‌وبتلابيب الوطن.
وفي الختام، أذكر نفسي وإياكم بقوله تعالى (وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُون)،
‌صدق الله العظيم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.