محمد فؤاد البري يكتب | الدراما المصرية في عصرين (‌2-2‌)

0

الدراما ليست مجرد كلمة ناعمة لغرض الترفيه، إنها عمل شاق إن كان صادقاً ترى فيه الحياة‌
بكل ملامحها، عمل تتجمع فيه خلاصة الفنون من أدب وتمثيل وغناء وتصوير.. الخ والتمثيل في‌
مصر وصل لحالة يرثي عليها نتيجة مباشرة لعدم وجود نص جيد.
فالكاتب الدرامي يجب أن يكون مثقف إلى أبعد الحدود ، الكتابة لا تأتي من فراغ والكتابة من‌
الذاكرة لا تعطي أدباً على الاطلاق ومعلومة الانترنت خبرات دون سعرات حرارية كما يصفها‌
خيري شلبي فالكاتب الذي يعاني حتي يكتب جملة حقيقية يقصد أن يمسك مادة حقيقية عن معاناة‌
حقيقة فالكتابة عملية معقدة لأبعد الحدود وليست مجرد كلمات حبر علي ورق انها شخصيات‌
وأحداث وصراعات وأحلام وانكسارات وفرح ودمعه وحضن وفراق وغربة ولقاء وقبل كل هذا‌
رسالة تريد أن تصلها للجمهور في قلب بيته وبين أسرته فيجب أن تكون أميناَ في توصيل‌
الرسالة فنانا مبدعاً في طريقة توصيلها ومهذباً نبيلاً عند عرضها ..

بينما الحقبة الدرامية الثانية هناك عشرات المسلسلات تعرض سنوياً دون أن نعرف هوية‌
المؤلفين، من كتب هذه الأعمال ومتي؟ وكيف؟! عندما نتحدث عن المسلسلات الرمضانية في‌
آخر عشر سنوات نجد أن هناك في المتوسط 30 مسلسل في العام، ليعرضوا في الشهر الكريم‌
في 30 يوم بمعدل 900 ساعة تليفزيونية هل هناك مواطن عادي حتى لو كان عاطلا أو إنسان‌
طبيعي يشاهد 900 ساعة خلال شهر؟!! السؤال متي تم إخراج وتأليف وإنتاج وتمثيل تلك‌
الاعمال الدرامية؟ المخرج قد ينتج أكثر من مسلسل في العام ليعرض في شهر رمضان الكل‌
يضغط نفسه في عمل شاق مضغوط سريع لم ينفذ على مهل، ولم يأخذ حقه في الاتقان ومع‌
تكبيرات عيد الفطر ينسى المشاهد كل هذه الأعمال ولا يذكر أي مسلسل كذلك يسقط من ذاكرة‌
الفن لأنه غرضه الربح فقط بعيداً عن مقاييس الفن الحقيقية..

تلك الأعمال شأنها شأن أغنية المهرجانات لا تعرف من شاعرها ومن ملحنها لذلك تنتهي من‌
عالم الفن بعد شهور تأخذ ضجتها وتذهب، تلك الأعمال الدرامية التي عرضت في العقد الأخير‌
عمرها قصير فهي ليست أعمال خالدة لن تتذكرها الأذهان الا القليل منها، فلم يعد الذين‌
يصوغون العقل العام والذوق العام هم أولئك الذين نسميهم النخبة، صار الذين يصوغون العقل‌
العام نوعا جديدا من رجال الأعمال يرسمون خطة إبراز نجمهم أو ترويج عمل درامي بدراسة‌
السوق..
وإذا تساءلنا بعد ذلك عن مظاهر العنف في عالم اليوم أو رواج ثقافة الاباحية والانحلال، فإنها‌
تعود بدرجة أساسية إلى تسابق ” منتجي الفكر والفن والذوق ” الجدد على إرضاء أوسع فئة من‌
الناس.
فكانت المشاهدة جماعية مع الاسرة في حين اليوم المشاهدة فردية كلا يعيش مع جهازه الخاص‌
وحسابه الخاص فالمسلسل الحالي من الصعب رؤيته مع الاسرة.‌

فالفن الجيد يصنع مشاهد جيد، والمشاهد الجيد يجبر صناع الدراما على صناعة فن جيد.
ولكن الفن الفقير يصنع أرواح فقيرة.. حتى أصبح الجمهور المصري ولا سيما جيله الجديد لا‌
يميز انه فقد القدرة على التذوق.
تغير الذوق المشاهد العربي للأسوأ حيث دخلت المسلسلات التركية والهندية المترجمة رغم‌
هشاشة قيمتها الفنية الا انها أصبحت لها جمهور عريض ..

دخلت الدراما المصرية من الكيف العظيم إلى الكم الرديء والعمل التلفزيوني فقد شرفه ، عندما‌
كان التلفزيون المصري خاضعاً للقواعد الأخلاقية والقومية والوطنية كان عظيماً الآن اصبح‌
سوقا للإعلانات ..وبالتالي صار أداة تخريب .
ونتيجة لذلك فقدت الدراما المصرية الصدارة العربية مقابل صعود الدراما السورية في الحقبة‌
الأخيرة .فمتى تعود مصر من جديد لتسترد مكانتها العربية في مجال الدراما والتلفزيون ؟؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.