في الوقت الذي كانت تمارس فيه القوة الاستعمارية على دول العالم، كان لمصر مواقف واضحة لدعم وتحرير الشعوب عبر العصور، وهذا يبرهن عن ثقافة مترسخة لدى مصر قيادتا وشعبا.
من أجل هذا كانت وما زالت القضية الفلسطينية جزءا لا يتجزأ من قضايا مصر ذات الاهتمام والصلة المشتركة، والدليل على ذلك لم يمنع القيادة السياسية المصرية القضايا المتعلقة بها داخليا أو خارجيا عن الإعراب بالرأي تجاه موقف مصر الرافض لتصفية القضية الفلسطينية والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في الحرية العادلة، وتقرير المصير، وفقا للقانون الدولي وقرار الأمم المتحدة بحدود عام١٩٦٧، و الابتعاد عن الأفكار التوسعية الاستيطانية لدولة الكيان الإسرائيلي المحتل والمدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية سياسيا وعسكريا، ومن أكثر مشاهد الدعم العسكري، هو فرض التهجير القسري للشعب الفلسطيني بالقوة العسكرية، الذي لم توافق عليه مصر شكلا وموضوعا، والذي قد تحركت إليه القيادة السياسية المصرية لعقد قمة عاجله ومصيرية، هي الأهم والأخطر لإنقاذ حياة الشعب الفلسطيني من خلال دعوات للزعماء والقادة العرب، لخلق جبهة سياسية للوقوف في مواجهة استخدام القوة العسكرية من الجانب الإسرائيلي المحتل في إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، أو تنفيذ مشروع جديد توسعي الغرض منه تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة، وتقديم حلول لحماية ودعم لأهل غزة، والذى أسفر عن كشف الوجه الحقيقي لبعض الزعماء العرب تجاه القضية الفلسطينية من خلال عدم الحضور لعدد من الزعماء العرب دون إبداء الرأي، أو إرسال مندوبين خوفا على مصالحهم الشخصية أو تجنبا من العقوبات الدولية التي قد تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية سياسيا وعسكريا واقتصاديا باعتبارها الداعم والمحرك لدولة الكيان الإسرائيلي، لم تجد مصر من يعاونها لنصرة الشعب الفلسطيني ماليا أو سياسيا خلال انعقاد القمة العربية، ما جعلها في موقف حرج بمفردها في مواجهة التحديات الاستيطانية والتوسعية والضغوط الأمريكية، ما جعلها بين خيارين، إما الانصياع للطلبات الأمريكية، أو القبول بالتوتر في العلاقات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية مع الجانب الإسرائيلي والأمريكي، والذي قد بدى واضحا على مشارف مواجهة عسكرية محتملة ضد كل منهما، خطوات تاريخية أخذتها مصر لتصل إلى تحريك قواتها العسكرية نحو الحدود الفلسطينية في الوقت الذي كان الزعماء العرب الغائبين عن حضور القمة العربية الطارئة بصدد الحديث عن المشاركة للتدريب العسكري مع الجانب الإسرائيلي والأمريكي لكيفية اتقان الضرب والقصف الصاروخي المستخدم على أهل غزة، نموذج أقل ما يوصف من الخيانة للقضية الفلسطينية، وهنا يظهر الوجه الحقيقي للزعماء ليس قولا، ولكن فعلا، إن مواقف الإدارة المصرية لهى من دواعي الفخر والعزة لكل مواطن مصري وعربي، يبرهن عن المعنى الحقيقي للدولة قيادة وشعبا من خلال الدعم والالتفاف الشعبي والوطني للخروج في الشوارع والمساجد والميادين، بل وصلوا إلى مناطق المعابر والحدود في مظاهرات حاشدة ضد التهجير ودعم وتأييد القيادة السياسية المصرية في قراراتها الجريئة والحاسمة في صورة متكاملة، يشهدها العالم ورفض كل مايخص هذا الملف، ولا يعني المصريين سوى نصرة الحق والوقوف إلى جانب الأشقاء الفلسطينيين، وتحمل المسئولية وتبعات هذا الرفض عليهم اقتصاديا وعسكريا، والاستغناء عن المنح والمعونات إذا تطلب الأمر ذلك، وهذا ما حدث، أما عن الخارجية المصرية، فكان لها أروع الأمثلة في التعبير والرد حول تلك القرارات من منطلق القوة وحرصها على فرض الإرادة السياسية واحترام وجهة نظر الجانب المصري لدى الأوساط السياسية العالمية، وكشف كل الأوراق على طاولة الحوار السياسي، ما جعلها حائط صد لكل القوى التي تريد أن تعبث في المنطقة، أو تخرج بمبررات واهية وتوضح للعالم أن الصهيونية هي إحدى مخرجات الإمبريالية الأمريكية، والتي تسعى إلى تحقيق الهيمنة دائما، كما أن رفض زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للبيت الأبيض لمقابلة الرئيس ترامب جاءت متممة للرفض المصري بسبب تصريحات مسئولي البيت الأبيض الداعم للتهجير، وكذلك الدعم العسكري الأمريكي للجيش الإسرائيلي لاستخدام الأسلحة الأمريكية في قتل المدنيين العزل من الشعب الفلسطيني من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
إن من الظواهر الطبيعية في عالم السياسة الخارجية، هي التحالفات عبر العصور المختلفة، فكان لزاما على مصر إبرام تحالفات جديدة في عالم أصبح متعدد الأقطاب بعد أن كان أحادى القطبية، قد تجد أن روسيا والصين قوى عسكرية واقتصادية وتكنولوجية جديدة، قد تفتح ذراعيها لكثير من الدول، ولكي يكتمل هذا التحالف الدولي يتحتم انضمام دول محورية أخرى مثل مصر حيث تتوسط العالم أفريقيا وعربيا، وتتمتع بموقع جيوسياسي يميزها عن غيرها، وتمتلك أهم ممر ملاحي يتحكم في التجارة العالمية، وتعد بوابة وسوقا متكاملا إلى دول شمال ووسط إفريقيا وهي المطلة على الجانب الآخر للقارة الأوروبية على سواحل البحر المتوسط، أو ما يسمى بالمياه الدافئة، واستنتج من ذلك بأن انضمام مصر لأي تحالف يجعل منه قوة جديدة وإضافية والدليل على ذلك أن العلاقات المصرية الروسية، تجعل منها مثالا جيدا للتعاون العسكري والتجارى، ما يساهم فى خلق توازن يحافظ على السلم والأمن الدوليين، وتعتبر العلاقات المصرية الصينية في التجارة والصناعة والبناء العسكري محط أنظار العالم بعد إتمام صفقات الطائرات الحربية الصينية الشبحية مع نقل تكنولوجيا التصنيع في واحدة من أهم المحطات الفاصلة في حياة الدولة المصرية، لتدخل مجالا جديدا، وهو تصنيع الطائرات الحربية الشبحية المقاتلة، ولم يتحقق مطلقا مع أي دولة أخرى، ولكن حصريا الصين ومصر وحدهما، ولو نظرنا إلى المعسكر الغربي، والذي يتمثل فى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، قد تجد هناك خروقات كبيرة، والتي تتمثل بانسحاب بريطانيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكذلك انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية سياسيا وعسكريا من دعمها لأوكرانيا في حربها مع روسيا، لكي تتركها وحيدة بعد ما زجت بها إلى المواجهة العسكرية نحو الحرب، ولا يمكن للإدارة الفرنسية أن تنسى ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية في إفساد صفقة بيع الغواصات الحربية الفرنسية إلى استراليا من أجل شراء استراليا غواصات أخرى أمريكية الصنع، والتي أسفرت عن تكبيد المصانع والشركات الفرنسية خسائر كبيرة، وكذلك التضييق على بيع وشراء الطائرات الحربية الفرنسية من طراز رافال من خلال التشكيك في القدرة القتالية والإمكانيات الحربية، وهذا لأجل احتكار تصنيع الطائرات الحربية في العالم، رافضة لفكرة الشراكة بين الدول، ما جعل دول أخري مثل ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا المضى قدما نحو التصنيع العسكري من طائرات حربية، لكي تكون تصنيعا دوليا مشتركا وغواصات أخرى تصنيع إسبانيا وألمانيا، وقد تجد أن التحالف الغربي في شقاق داخليا بصورة كبيرة،
وبعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من دعم أوكرانيا في الحرب الروسية وانسحاب بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، أصبحت فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تتبنى قرارات الاتحاد الأوروبي باعتبارها أكبر قوة عسكرية، وتمتلك من التكنولوجيا الحديثة والتصنيع العسكري والنووي من حيث الإمكانيات المتاحة لديها، وعلى الجانب السياسي، فهي إحدى الدول الدائمة في عضوية مجلس الأمن ولديها القدرة على استخدام حق الفيتو على القرارات الدولية، وتتميز الإدارة المصرية الحالية بعلاقات وثيقة وجيدة تصل إلى حد كبير بين مصر وفرنسا، وهذا بعد ما أصبح ٨٠% من التسليح المصري من فرنسا، ويتمثل في طائرات حربية رافال، والذي كانت مصر أولى الدول التي اشترت هذه الطائرات الحربية من فرنسا رغم كل التشكيك، ولكنها لم تبال بكل الشائعات لتفتح لفرنسا البيع إلى دول عربية أخرى، ومن الطبيعي أن تكون هناك ثقة متبادلة بين فرنسا ومصر لتتم صفقة شراء الغواصات الحربية، التي كان مقررا بيعها لأستراليا، لتنضم إلى الأسطول البحري المصري، ويكتمل التوافق بين البلدين الصديقين لاستلام حاملات الطائرات الحربية الفرنسية ميسترال وإنشاء مدرسة لتصنيع الطائرات الحربية في مصر بدعم وأشرف فرنسي وخبراء فرنسيين،
ولعل الآن ندرك إلى أي مدى قد تكون العلاقات المصرية الفرنسية، والتي تمثل القلب النابض للاتحاد الأوروبي .
حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
الباحث في العلوم السياسية