د/ أحمد حفظي يكتب | مصر تبتكر

0

في وقتٍ تتسارع فيه خطى العالم نحو اقتصاد المعرفة، تُعلن مصر عن إطلاق “السياسة الوطنية للابتكار المستدام”، في خطوة طموحة قد تكون مفصلية في مسار الدولة نحو مستقبل أكثر ذكاءً واستقلالًا. لكن يبقى السؤال الأهم: هل لدينا البنية والقدرة على تحويل هذه الرؤية إلى واقع؟

فالابتكار لم يعد خيارًا، ولم تعد الدول تتقدّم بالثروات الطبيعية فقط، بل بما تنتجه عقول أبنائها. وفي عالم يحكمه من يبتكر أولًا، تسعى مصر اليوم لتغيير قواعد اللعبة، عبر استراتيجية وطنية، تستهدف ربط التعليم بالإنتاج، والبحث العلمي بالصناعة، وتحويل الجامعات إلى محركات للاقتصاد، لا مجرد مراكز تخريج.
هذا الإعلان، يمثل تحوّلًا مهمًا، ليس فقط في السياسات، بل في الخطاب الرسمي نفسه الذي بدأ يعترف صراحة بأن الابتكار لم يعد ترفًا بل شرطًا للبقاء.

بحسب ما أعلنته وزارة التعليم العالي، فإن السياسة ترتكز على عدة محاور رئيسية:
تدريس ريادة الأعمال كمادة أساسية داخل الجامعات، بأسلوب عملي وتفاعلي،
إعادة هيكلة سياسات القبول الجامعي، لتوجيه الطلاب نحو التخصصات المستقبلية، إطلاق صندوق وطني للاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا، بهدف دعم العقول الشابة والمشاريع المواعدة، بناء جسور التعاون بين الجامعات والمصانع لتوليد حلول تطبيقية حقيقية من الأبحاث الأكاديمية.
هذه البنود، إن تم تنفيذها بفعالية، قادرة على إحداث نقلة نوعية حقيقية في الاقتصاد المصري.
أن مصر تمتلك المقومات الأساسية لتكون مركزًا إقليميًا للابتكار: عقول شابة، جامعات ناشئة، وشغف بالإنجاز. لكن التجربة تُعلّمنا أن الرؤية وحدها لا تكفى، ما نحتاجه اليوم، هو:
جهاز إداري مرن لا يقتل الأفكار في مهدها، ثقافة مؤسسية تتقبل التجريب والفشل كجزء من طريق النجاح، تشريعات تشجع على الاستثمار في الأفكار، لا تقيّدها بالروتين، إعلان السياسة خطوة موفقة، لكنها لن تعني شيئًا إن بقيت على الورق. مصر لا ينقصها الطموح، بل الإصرار على التنفيذ. وإذا كنا جادين، فالمستقبل يمكن أن يبدأ الآن.. من قلب الجامعة، ومن عقل طالب، ومن فكرة تتحدى المستحيل، فالطريق طويل، لكنه ليس مستحيلاً. وإذا كانت هذه السياسة بداية حقيقية، فربما نرى جيلًا جديدًا من المخترعين، لا الحفظة؛ ومن المبادرين، لا الموظفين. ويبقى الرهان على قدرة الدولة على تحويل الكلمات إلى أفعال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.