محمد عبد الكريم يوسف يكتب | مبادئ الابتكار

0

هذا المقال مترجم عن مقال للكاتب “جون سبايسي”. مبادئ الابتكار هي مجموعة من التوجيهات التي تتبناها المؤسسات لتكون بمثابة أساس تستند إليه في أنشطة الابتكار المختلفة، من قرارات استراتيجية وثقافية إلى تطوير البرامج والمشاريع. وتُعتبر هذه المبادئ بمثابة ركائز تأسيسية تسعى إلى تشكيل بيئة مؤسسية قادرة على توليد القيمة من خلال الابتكار. وقد اعتمدت العديد من المؤسسات حول العالم مجموعة من المبادئ العامة التي ثبت نجاحها على نطاق واسع.
من بين هذه المبادئ مبدأ “الإبداع وفق قيود محددة”، والذي يذهب بعكس التصور السائد أن الإبداع يحتاج إلى حرية مطلقة. بل يرى أن وجود قيود مصممة بدقة قد يكون هو المحفّز الأساسي للإبداع. فالموسيقى، على سبيل المثال، رغم تنوعها الهائل، إلا أنها تخضع لقيود هارمونية وتقاليد وأساليب محددة تُسهم في تشكيل عبقريتها.
ومن المبادئ الأساسية كذلك التركيز على العملاء، حيث تُعد تلبية احتياجات ورغبات العملاء بمثابة المحرك الرئيسي لأي ابتكار ناجح. ويقترن هذا المبدأ بـ “التصميم وفق المعيار”، والذي يعني تصميم المنتجات أو الخدمات لتكون مفيدة لأكبر عدد ممكن من الناس، مما يتيح الاستفادة من اقتصاديات الحجم وتقليل التكاليف مع التوسع.
ويبرز أيضًا مبدأ “التصميم المستدام” الذي يدعو إلى مواءمة الابتكار مع قيم الاستدامة من خلال استخدام مواد قابلة لإعادة التدوير، وتقليل التأثير البيئي السلبي، وتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد. وفي بيئة الابتكار، يُعد الفشل المحتمل جزءًا من العملية، إذ يُنظر إلى كثرة الفشل كدليل على الجرأة في الابتكار. ويقترن بذلك مبدأ “الإخفاق الجيد”، الذي يشجع على تصميم اختبارات سريعة ومنخفضة التكلفة وآمنة للفشل، بما يقلل من الأثر السلبي ويزيد من فرص التعلم.
ولتعزيز فاعلية الابتكار، من الضروري وجود “حلقة ردود فعل” مستمرة، حيث يتم الاستفادة من تعليقات العملاء والمستخدمين لتحسين المنتجات أو الخدمات بشكل دوري. ويستند هذا إلى مبدأ أن الابتكار قدرة مركبة ترتبط بمهارات مثل التفكير التصميمي وحل المشكلات والتفكير المتباين، وهي قدرات لا يمكن قياسها بسهولة عبر الاختبارات التقليدية.
في السياق ذاته، تلعب ثقافة المؤسسة دورًا حاسمًا، إذ تؤثر القيم والقواعد والعادات والرموز المؤسسية على القدرة الابتكارية. فهناك مؤسسات تتمتع بثقافة قادرة على توليد ابتكارات متجددة باستمرار، في حين تكافح مؤسسات أخرى لتحقيق ذلك. ومن هنا ينبثق مبدأ “الابتكار من أي مكان”، الذي يدعو إلى إتاحة المجال لجميع الموظفين، بل وأحيانًا العملاء والمجتمعات، للمساهمة بأفكارهم، مع وضع حوافز لتشجيع الابتكار الفعّال.
ويستند الابتكار الناجح إلى القياس والتحسين، إذ يُمكن تتبع كل ابتكار وقياس تأثيره، مما يساعد على تحسينه باستمرار. ويتعزز هذا التوجه من خلال وجود مهمة واضحة لبرنامج الابتكار، إذ ترتبط الابتكارات الناجحة غالبًا بمؤسسات تمتلك شعورًا قويًا برسالتها.
أما الابتكار المفتوح، فيعتمد على مبدأ الشفافية والتشارك، حيث تُعرض الأفكار والتصاميم للمراجعة الجماعية وتُستقبل التغذيات الراجعة لتحسينها. ومن الضروري أن يرتبط الابتكار أيضًا بتسلسل أولويات واضح، بحيث يسعى إلى تحقيق قفزات نوعية تتجاوز الواقع الحالي، لا مجرد تحسينات تدريجية.
ومن المبادئ المهمة كذلك المبدأ الوقائي، الذي يشترط أن يكون الابتكار آمنًا ومستدامًا قبل إطلاقه في البيئة العامة. كما يشجع مبدأ إعادة الاستخدام والتحسين على استثمار الموارد والتقنيات والمعرفة القائمة بدلًا من البدء من الصفر، وهو ما يناقض الاعتقاد الخاطئ بأن الابتكار يجب أن يأتي دومًا من فراغ.
ولضمان تحقيق نتائج ملموسة، يُوصى بمبدأ الإرسال السريع، أي إطلاق الابتكار بأسرع ما يمكن، مع إجراء تحديثات مستمرة للتحسين. ويكمل ذلك مبدأ الاختبار والتعلم، الذي يدعو إلى اختبار الابتكار مبكرًا وبشكل متكرر، وتوثيق النتائج واستخلاص الدروس.
أخيرًا، يُعد وجود رؤية مستقبلية واضحة أحد أبرز المبادئ المؤثرة في نجاح برامج الابتكار، حيث يرافق كل برنامج ناجح تصورٌ طموح ومُلهم للمستقبل، يرسم الطريق ويوجه الجهود نحو هدف محدد وقابل للتحقق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.