رائد محمد يكتب | الرحلة من أكتوبر عبور المستقبل

0

في السادس من أكتوبر عام 1973، كتب الشعب المصري واحدة من أعظم صفحات التاريخ الحديث. لم تكن حرب أكتوبر مجرد معركة عسكرية لاسترداد الأرض، بل كانت ملحمة وطنية جسدت إرادة أمة بأكملها، قررت أن تتحدى المستحيل وتثبت للعالم أن الكرامة الوطنية لا تُشترى ولا تُباع.

لم يكن النصر وليد اللحظة، بل ثمرة سنوات من الألم والانكسار والإعداد المستمر. عَبَر الجيش المصري قناة السويس، وحطم أسطورة “خط بارليف” المنيع، وأعاد لمصر والعرب جميعًا الثقة بأن إرادة الشعوب قادرة على قلب موازين القوى. كان السادس من أكتوبر لحظة فارقة، أضاءت درب المستقبل وأكدت أن ما نؤمن به نستطيع تحقيقه مهما طال الزمن أو اشتدت الصعاب.

لكن أكتوبر لم يكن عبورًا عسكريًا فقط، بل هو بداية عبور أكبر وأهم: عبور نحو مستقبل أفضل، ومستمر حتى يومنا هذا. صحيح أن المعركة العسكرية قد انتهت، ولكن معركة البناء والتنمية، معركة تحقيق الأحلام، لا تزال مستمرة. التحديات اليوم ليست دبابات أو طائرات، بل تحديات اقتصادية، علمية، ثقافية واجتماعية. هي معارك تحتاج إلى نفس الروح التي حملها أبطال أكتوبر: الإيمان بالقدرة على الإنجاز، والعمل الجماعي، والإصرار على النجاح.

إن مصر اليوم تخوض معركة أخرى للعبور، عبور إلى مستقبل يليق بشعب صبر كثيرًا، وضحى كثيرًا، ولا يزال يحلم بالأفضل. مشروعات قومية عملاقة تُقام في كل شبر من أرض الوطن، من مدن جديدة، إلى شبكات طرق وكهرباء، إلى بنية تحتية حديثة، إلى استصلاح ملايين الأفدنة وزراعة الصحراء، كل ذلك دليل واضح أن روح أكتوبر لا تزال حيّة فينا.

ولعل أهم ما نحتاجه في هذه المرحلة هو الحفاظ على وحدة الصف، والإيمان بأن لكل فرد دورًا حقيقيًا في معركة العبور الجديدة. فالعامل الذي يُتقن عمله، والمعلم الذي يزرع الأمل في طلابه، والمهندس الذي يبتكر حلولًا جديدة، والطبيب الذي يحمي أرواح الناس، جميعهم يشكلون جيشًا آخر لا يقل أهمية عن جيش السادس من أكتوبر.

لقد علمتنا حرب أكتوبر أن لا مستحيل أمام الإرادة الحرة. واليوم، ونحن نعيش مرحلة العبور نحو المستقبل، نحتاج أن نستدعي هذا الدرس العظيم. فكما عبرنا القناة وحطمنا الحواجز في الماضي، نستطيع أن نعبر التحديات ونحقق طموحاتنا مهما بدت صعبة.

إن عبور المستقبل لا يتم في يوم أو عام، بل هو رحلة مستمرة، تحتاج إلى صبر وقوة وإيمان لا يتزعزع. وبقدر ما كان السادس من أكتوبر رمزًا للنصر العسكري، فإنه سيبقى أيضًا رمزًا لقدرة المصريين الدائمة على كتابة مستقبلهم بأيديهم، وتحقيق العبور الأكبر نحو وطن قوي مزدهر يليق بتضحيات أبنائه

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.