علاء مصطفي يكتب | الذكاء الاصطناعي المسؤول

0

في عالم يتغير كل يوم بفعل تقنيات الذكاء الاصطناعي، لم يعد السؤال هو ما إذا كنا سنستخدم هذه التكنولوجيا، بل كيف سنستخدمها… وهكذا وجدت نفسي بين مجموعة من صناع القرار والخبراء داخل قاعة النقاش بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، في مائدة مستديرة تناولت أحد أهم مفاهيم العصر: الذكاء الاصطناعي المسؤول. وقد أتاحت هذه الفعالية نقاشًا ثريًا بين ممثلين عن الحكومة والبرلمان والجامعات والقطاع الخاص، بهدف بلورة تصور وطني متكامل حول كيفية ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بما يخدم الصالح العام ويصون القيم المجتمعية.

وسط هذا الزخم العالمي المتزايد، يتقدم مفهوم الذكاء الاصطناعي المسؤول باعتباره أحد المفاتيح الرئيسية لضمان ألا يتحول التقدم التكنولوجي إلى تهديد لقيمنا الإنسانية. ويقصد به تطوير واستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي بطريقة تحترم كرامة الإنسان، وتعزز العدالة الاجتماعية، وتضمن الشفافية والمساءلة، وتحمي البيئة. وقد تبنت منظمة اليونسكو هذا المفهوم في توصيتها الدولية عام 2021، والتي نصت على أربعة قيم رئيسية: الكرامة، والعدالة، والشمولية، والاستدامة، إلى جانب مجموعة من المبادئ التنفيذية التي توجه السياسات والتشريعات الوطنية.

وفي هذا السياق، كانت مصر من أوائل الدول في المنطقة التي بادرت إلى اتخاذ خطوات فعلية لترسيخ هذا التوجه، من خلال إطلاق وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات “الميثاق المصري للذكاء الاصطناعي المسؤول” في عام 2023. يضع هذا الميثاق إطارًا وطنيًا متكاملًا يتضمن مبادئ أخلاقية وتوجيهات تقنية، تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بما يتماشى مع الخصوصية الثقافية والقانونية للدولة المصرية. كما أطلقت الوزارة بالتعاون مع اليونسكو أول عملية وطنية لتقييم الجاهزية عبر منهجية RAM، التي تساعد على قياس استعداد الدولة لتبني الذكاء الاصطناعي بشكل مستدام ومسؤول.

ومع الإشادة بهذه المبادرات المهمة، فإن المرحلة القادمة تتطلب تبني توجه تنظيمي أكثر مرونة، يتماشى مع الطبيعة المتغيرة والسريعة لتقنيات الذكاء الاصطناعي. إننا لا نحتاج إلى تشريعات جامدة تُقيد الابتكار، بل نحتاج إلى أطر تنظيمية مرنة وقابلة للتحديث تُمكن المؤسسات من مواكبة التطورات دون الإخلال بالضوابط الأخلاقية. فجوهر المسألة ليس في “حُوكمة الذكاء الاصطناعي” كأداة، بل في “حُوكمة استخداماته” وضمان أنها تُوظف بطريقة عادلة، شفافة، وآمنة.

بناءً على ما طُرح في المناقشات وتوصيات الممارسات الدولية، تبرز الحاجة إلى تبني إطار تنظيمي مرن ومبني على المبادئ، بدلاً من الاعتماد على لوائح جامدة يصعب مواكبتها مع تسارع التطورات التقنية. من المهم أيضًا إنشاء هيئات متعددة التخصصات لمتابعة الاستخدامات الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، خاصة في القطاعات الحساسة مثل الصحة والتعليم والخدمات الحكومية. ويُعد دمج مبادئ الذكاء الاصطناعي المسؤول في المناهج التعليمية والتدريب المهني خطوة ضرورية لبناء وعي وطني مستدام. إلى جانب ذلك، فإن تحفيز الشركات والمؤسسات على الالتزام بهذه المبادئ من خلال تقديم حوافز ملموسة، مثل الامتيازات الضريبية أو الدعم البحثي، سيشجع على تبني الممارسات المسؤولة على نطاق واسع. كما يجب تطوير آليات رقابية ذكية تعتمد على الشفافية والإفصاح، تتيح للمواطنين والمؤسسات فهم الخوارزميات المستخدمة في الأنظمة المؤثرة على حياتهم اليومية.

في رأيي أننا لسنا أمام رفاهية فكرية أو نقاش أكاديمي… بل أمام لحظة مفصلية في مستقبل التنمية والحوكمة. الذكاء الاصطناعي لن ينتظر أحدًا، والفرص الهائلة التي يقدمها تقابلها مخاطر حقيقية إن تُرك دون توجيه. لذلك، فإن مسؤوليتنا الآن هي أن نرشد استخدامه، لا أن نُقيده؛ أن نطلق قدرته في خدمة الإنسان، لا أن نُخضع الإنسان له.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.