حسام محمود فهمي يكتب | بعد ثلاثين عامًا من الإنترنت

0

في 29 أكتوبر 1969، بدأَ عَصرُ الإنترنت لما أرسلَ Leonard Kkeinrock (90 عامًا)، أستاذُ علومِ الحاسباتِ في جامعةِ كاليفورنيا في لوس أنجلوس UCLA، الرسالةَ الإلكترونيةَ الأولى من خلالِ شبكةِ ARPANET الخاصةِ بوزارةِ الدفاعِ الأمريكيةِ. وفي عام 1973 قدَمَ Vint Cerf و Robert Khan من جامعةِ ساسكس Sussex بالمملكةِ المُتحدةِ بحثًا رائدًا فَتَحَ الطريقَ لأبحاثٍ مَكَنَت العالِمَ البريطاني Tim Berners-Lee، خلال عملِه بالمُنظمةِ الأوروبية للأبحاثِ النوويةِ CERN، من اِختراعِ شبكةِ الإنترنت وإتاحتَها عام 1993 للاِستخدامِ العامِ. وبعدَها وخلالُ مايزيدُ على الثلاثين عامًا، تَعاظمَت شبكةُ الإنترنت لتُغطي الكُرةَ الأرضيةَ مدفوعةً بسرعةِ الاِتصالاتِ لتَطَوُّرِ تكنولوجيا خُطوطِ الأليافِ الضوئيةِ والخُطوطِ اللاسلكيةِ وتكنولوجيا الجيلِ الخامسِ 5G.

بدأَ تَغيُّرُ وجهِ العالمِ عام 1995 مع نشأةِ التجارةِ الإلكترونيةِ، وما كانَ ممكنًا لوسائلِ التواصُلِ الاِجتماعي والحَوسبةِ السَحابيةِ من سيطرةٍ بدون الإنترنت. الآن، يُمكِنُ تقريبًا اِستخدامُ الإنترنت لأي غرَضٍ؛ سدادُ الفواتيرِ، مُمارسةُ الألعابِ، شراءُ كافة السلع، مُقابلةُ الأصدقاءِ وعَقدُ المؤتمراتِ دونَ اِنتقالاتٍ، التَعَلُمُ، مُشاهدةُ الأفلامِ وقراءةُ الكُتبِ والصُحُفِ وغيرُه وغيرُه. ومع ذلك، فإن المُشكلاتِ لابدَ أن تكونَ الوجهَ الآخرَ لأي تكنولوجيا، وأبرَزُها اِستخدامُ الإنترنت لاِرتكاب الجرائمِ والإرهابِ، نَشرُ الأكاذيبِ، اِنتهاكُ خُصوصيةِ روادِها والتَلَصُصُ على البياناتِ.

كما أتاحَ اِمتدادُ الإنترنت المكاني وقوةُ أجهزةِ الحاسباتِ الحديثةِ تَطوُّرَ علومٍ الذكاءِ الاصطناعي التَوليدي ذي المَقدرةِ على تطويرِ التفاعُل ِمع تِلالِ المعلوماتِ والتطبيقاتِ التي تُتيحُها شبكةُ الإنترنت، وأصبَحَ من أساسياتِ بعض المُتصفِحاتِ.

في عام 2023 بلغَ عدَدُ مُستخدمي الإنترنت أكثرَ من خمسةِ ملياراتِ شخصٍ، أي ما يُقارِبُ ثلثي سكانِ الكُرةِ الأرضيةِ، وهي اليوم مِنصةٌ عالميةٌ للاِبتكارِ والتعاونِ والإعلامِ وأيضًا للتَنازعِ والتباغُضِ والتَضليلِ على نطاقٍ واسعٍ.

كانَ بُزوغُ مَواقعِ التواصُلِ الاجتماعي ثورةً اِجتاحَت العالمَ وغَيرَت مفاهيمَه وتعامُلاتِه. البَدءُ بظهورِ فيسبوك في 4 فبراير من عام 2004، ثم يوتيوب في 14 فبراير 2005، تويتر في 15 يوليو من عام 2006، واتساب في فبراير 2009، انستاجرام في 6 أكتوبر 2010، تليجرام في 14 أغسطس 2013، سيجنال في 29 يوليو 2014،
تيك توك في سبتمبر 2016.

هيمنَت مواقعُ التواصُلِ الاجتماعي على العالمِ بكلِ أجيالِه أيًا كانت أعمارُهم ومناصِبُهم. هي عالمٌ مُتفَرِدٌ، روادُه جالسون في غُرَفٍ مُغلقةٍ، لا يعرِفون في غالبيتِهم مع من يتَحاوَرون ولا من يُتابعون؛ الواقعُ خارجَها مُختلفٌ تمامًا بناسِه وباِهتماماتِه، ما يتَردَدُ عليها قد لا يكونُ من أولوياتِ من هم في الشارعِ، خارجَها.

كانت أحاديثُ القهاوي والآن هي أحاديثُ الإنترنت، خلفَ مواقعِ التواصُلِ أصبَحَ الجبانُ شجاعًا والجاهلُ عالِمًا والنَصابُ أمينًا؛ لها مفرداتُها لكونِها تُتيحُ التنفيسَ دونما خِشيةٍ من عِقابٍ أو مُلاحقةٍ، أو هذا ما قد يبدو. لذا من الضروري ألا تنساقُ الجامعاتُ وراءَ سلوكياتٍ كتلك في الاِستبياناتِ التي تفتُحها بما يجعلُها وسيلةَ تَطاولٍ وجُحودٍ.

المُؤثِرون اِنتشروا واِغتَنوا باِعتبارِهم خُبراءً في مجالاتٍ شتى كالسياسةِ والرياضةِ الفنون والأزياءِ وغيرِها من الاِهتماماتِ العامةِ، هم نجومُ زَمنِ الإنترنت. أما الاِستقصاءاتُ الصَحفيةُ المُجهِدةُ فأصبحَ مصدَرُها الأساسي مواقعَ التواصُلِ، وما نراه في ملابساتِ لاعبِ الكُرةِ الراحلِ أحمد رفعت ولاعبةِ الدراجاتِ المُصابةِ جنة عليوة إلا مِثالين سريعين. سَطوةُ ورقابةُ مواقعِ التواصُلِ يستحيلُ ولا يَجوزُ إنكارُها والتَعامي عنها ولو اِنغلَقَ مُرتادوها على أنفسِهم.

يدعو الكثيرون من خبراءِ الإنترنت إلى ميثاقٍ لها حتى تكونُ قوةً للخيرِ فقط، هل هذا ممكنٌ؟ لا. كَسَرَ الوحشُ عِقالَه، خاصةً وأن الشِعاراتِ لعبةٌ مَطاطةٌ فَضْفَاضَةٌ، وما أكثرَها في الإنترنت والسياسةِ والإعلامِ والرياضةِ والفنونِ وما أكثرَ من حُجِبَت حساباتُهم لأسبابٍ واهيةٍ،،

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.