د. شريف عبد الحميد يكتب | التوترات الهندية الباكستانية

0

في صراع طال أمده ولا يبدو أن له نهاية قريبة، تقف الهند وباكستان على حافة الهاوية، والنيران تشتعل في خبايا العلاقة بين البلدين اللذين لا يزالان يحملان أوزار الماضي الثقيل. ليس جديدًا أن يكون التوتر بين الهند وباكستان محط أنظار العالم، ولكن الجديد أن التطورات الأخيرة قد تجعل من هذا التوتر ميدانًا لحرب جديدة قد تترجم إلى دمار شامل للمنطقة.
التاريخ الطويل من الصراع بين الجارين النوويين، الذي بدأ منذ عام 1947 إثر تقسيم الهند الاستعماري، لا يزال يظل يلقي بظلاله على الحاضر، ففي السنوات الماضية، تكررت المحاولات الفاشلة لإنهاء النزاع، سواء عبر الدبلوماسية أو المعاهدات، إلا أن كل هذه الجهود تبدو وكأنها تذهب أدراج الرياح، وتظل القضية الرئيسية التي تثير الخلاف هي إقليم كشمير، وهو النزاع الذي أدى إلى اندلاع ثلاثة حروب بين البلدين في العقود الماضية. ولكن، ليس هذا وحده ما يغذي التوتر، بل هناك أيضًا الطموحات السياسية، والأبعاد الاقتصادية، والخوف المتزايد من العسكرة المفرطة لكلا الطرفين.
في يوم 6 مايو 2025، قفز الوضع إلى مستوى غير مسبوق من التصعيد، فقد شنت الهند عملية عسكرية جوية واسعة النطاق تحت اسم “عملية سندور”، استهدفت خلالها مواقع حيوية في المناطق الحدودية بين الهند وباكستان، تحديدًا في كشمير، بالإضافة إلى استهداف بنى تحتية يُعتقد أنها مرتبطة بالجماعات المسلحة التي تنشط في باكستان. هذه الضربة الهندية جاءت ردًا على الهجوم الإرهابي الذي استهدف مدينة باهالغام الهندية في 22 أبريل 2025، حيث أسفر عن مقتل 26 سائحًا هنديًا. الهند اتهمت باكستان بتوفير ملاذ آمن للجماعات الإرهابية في أراضيها، في حين أن باكستان نفت ذلك بشكل قاطع، موجهة اتهامات للهند بأنها تحاول إضفاء طابع الحرب على الأحداث الأمنية الداخلية.
ردت باكستان بدورها بعملية عسكرية مضادة، حيث قالت إنها أسقطت خمس طائرات هندية في الأجواء الباكستانية. التصريحات المتبادلة بين البلدين كانت تزداد سخونة، والاتهامات تتبادل بين الجانبين بشأن استهداف المدنيين في هذه العمليات. في وقت لاحق، أعلنت باكستان عن غلق مجالاتها الجوية أمام الطائرات الهندية، كما قامت بإيقاف جميع التبادلات التجارية بين البلدين، وهو ما زاد من تعقيد الوضع.
لكن ما يزيد من حدة هذا التصعيد هو التوجهات العسكرية والتكنولوجية التي يتبعها كل من الهند وباكستان. ففي الوقت الذي تواصل فيه الهند تعزيز قدراتها العسكرية على الأرض وفي الجو، تسعى باكستان لامتلاك تقنيات جديدة في مجال الدفاع الجوي والصاروخي. على الجانب الآخر، لا يخفى على أحد أن كلا البلدين يمتلكان الأسلحة النووية، وهو ما يجعل كل تصعيد عسكري أكثر خطورة. يظل القلق قائما من أن هذا السباق التسليحي يمكن أن يتحول في أي لحظة إلى حرب نووية كارثية.
في ظل هذا التصعيد الخطير، برزت دعوات المجتمع الدولي للتهدئة. الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أعرب عن قلقه البالغ تجاه الأوضاع بين الهند وباكستان، محذرًا من أن استمرار هذا التصعيد يمكن أن يؤدي إلى كارثة إقليمية. وقد أضاف أن “العالم لا يستطيع تحمل تبعات اندلاع حرب بين قوتين نوويتين في هذا التوقيت”، في إشارة إلى أن تداعيات مثل هذه الحرب لا تقتصر على المنطقة فحسب، بل قد تؤثر على استقرار العالم بأسره. هذا التصريح يبرز حجم القلق الدولي حيال ما يمكن أن يحدث إذا لم يتخذ الجانبان خطوات جادة نحو التهدئة.
ورغم هذا الضغط الدولي، إلا أن هناك ترددًا واضحًا في تحركات كلا البلدين نحو الحوار. فالجانب الهندي يعتبر أن باكستان لا تزال توفر الملاذات الآمنة للجماعات المسلحة، بينما ترى باكستان أن الهند تمارس سياسة عدوانية تجاه جيرانها، وأي حديث عن السلام مع الهند يبدو غير مجدٍ طالما أن سياسة “الهجوم” هي السائدة.
ومع كل هذه التطورات، تبقى الأسئلة الأكثر أهمية: هل نقترب من حرب مفتوحة بين الهند وباكستان؟ أم أن هناك أفقًا حقيقيًا للسلام في المنطقة؟ الإجابة على هذه الأسئلة لا تبدو سهلة، بل هي رهينة بالعديد من العوامل الداخلية والخارجية.
الواقع أن كلا البلدين يخوضان حربًا داخلية ضد مشكلات اقتصادية وأمنية، ويعانيان من ضغوط شديدة على صعيد الرأي العام الداخلي، وهو ما قد يدفعهما لتصعيد الموقف في محاولة لتوحيد الصفوف أمام تحديات داخلية. ولكن، في ذات الوقت، تبدو هناك فرصة لبدء مرحلة جديدة من التفاوض، حيث إن الحرب قد تكون مكلفة للغاية بالنسبة للطرفين. هذا الاحتمال يبقى مرهونًا بالعديد من العوامل، سواء كانت دبلوماسية أو عسكرية، وأهمها قدرة كل طرف على الحد من أفعاله المتهورة.
وإلى أن تتضح الصورة، يبقى من الضروري أن يدرك الجميع أن التوتر بين الهند وباكستان ليس مجرد صراع حدودي، بل هو مزيج من السياسة، والمصالح الدولية، والعسكرة، والهوية القومية. والصراع بينهما يشكل تهديدًا أكبر من أن يُنظر إليه كصراع بين دولتين فقط. المستقبل القريب ربما سيكون أكثر وضوحًا، ولكن في الوقت الحالي، فإن الجميع يقف على حافة الهاوية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.