د. أحمد سعيد يكتب | الثقة المؤسسية في القطاع الصحي

0

تمثل رؤية مصر 2030 خارطة طريق طموحة نحو تحقيق التنمية المستدامة الشاملة في مختلف القطاعات، ويحظى قطاع الصحة بمكانة محورية ضمن هذه الرؤية، حيث يهدف المحور الثالث “الصحة الجيدة والرفاه” إلى ضمان تمتّع جميع المصريين بأنماط عيش صحية والرفاهية في جميع الأعمار. ولتحقيق هذه الغاية الطموحة، يصبح تعزيز الثقة المؤسسية في المنظومة الصحية المصرية أمرًا بالغ الأهمية، باعتبارها حجر الزاوية لضمان كفاءة الأداء، ورضا المستفيدين، واستدامة النجاح.

إن مفهوم الثقة المؤسسية يعكس مدى ارتباط العاملين بالمؤسسة وإيمانهم بأنها تضع مصالحهم في الاعتبار. وفي القطاع الصحي، تتجلى أهمية هذه الثقة في ضمان بيئة عمل إيجابية ومحفزة، قادرة على استقطاب الكفاءات والحفاظ عليها، وبالتالي تقديم خدمات صحية عالية الجودة تلبي احتياجات المواطنين وتطلعاتهم.

تتأثر بيئة العمل داخل المؤسسات الصحية بعدة محاور رئيسية، تشمل الطاقم الطبي والتمريض، والجهاز الإداري، ومتلقي الخدمة من المرضى وذويهم. ولكل محور من هذه المحاور متطلبات وعوامل محددة يجب تحقيقها لتعزيز الرضا والإنتاجية، وبالتالي بناء ثقة مؤسسية راسخة.
بالنسبة للطاقم الطبي والتمريض، يمثل التقدير بمختلف جوانبه – الاجتماعي والمادي والعلمي – عنصراً حاسماً. فمن المنطقي أن يحصل هؤلاء الأبطال على أجور عادلة تتناسب مع مسؤولياتهم وجهودهم، وأن يحظوا بالتقدير الاجتماعي الذي يعكس الدور الحيوي الذي يقومون به في المجتمع. وعلى الصعيد العلمي، يمثل توفير فرص التدريب المستمر والتأهيل عالي الجودة، دون تحمل أعباء إضافية، ضرورة ملحة لمواكبة التطورات وضمان تقديم أفضل الممارسات.
أما الجهاز الإداري، فيمثل العمود الفقري للمؤسسة الصحية، ولا يقل دوره أهمية عن الدور الطبي. لذا، فإن تقدير جهودهم مادياً ومعنوياً، وتأكيد انتمائهم لفريق العمل الواحد، وتعزيز فرصهم في التطور المهني، يساهم بشكل كبير في بناء الثقة والانتماء. إن تحقيق التكامل بين جميع أفراد المنظومة الصحية، وإزالة أي حواجز أو فروقات مصطنعة، يعزز من روح الفريق والعمل المشترك.
ويحتل متلقو الخدمة – المرضى وذووهم – مكانة مركزية في أي منظومة صحية ناجحة. وهنا، يبرز دور التواصل الفعال كعنصر حاسم في بناء الثقة وتقليل الشكاوى وسوء الفهم. فمعظم المشكلات التي تصل إلى الجهات المختصة غالبًا ما تنبع من ضعف قنوات التواصل أو سوء إدارة الحوار بين مقدمي الخدمة والمستفيدين منها. لذا، يصبح الاستثمار في تطوير مهارات التواصل لدى العاملين في القطاع الصحي، وتوفير قنوات تواصل واضحة وسهلة الوصول، ضرورة قصوى لتعزيز تجربة المريض وبناء الثقة في المؤسسة.

في ضوء رؤية مصر 2030، التي تولي اهتمامًا خاصًا بتحسين جودة الحياة والرفاهية للمواطنين، يصبح تعزيز الثقة المؤسسية في القطاع الصحي ليس مجرد هدف داخلي للمؤسسات، بل هو متطلب أساسي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعددة. تحسين بيئة العمل ورفع مستوى الرضا لدى العاملين (المحور السادس: العمل اللائق ونمو الاقتصاد)، وضمان حصول المواطنين على خدمات صحية عالية الجودة (المحور الثالث: الصحة الجيدة والرفاه)، وتعزيز الشفافية والمساءلة (المحور السادس عشر: السلام والعدل والمؤسسات القوية)، كلها جوانب مترابطة تسهم في تحقيق رؤية مصر الطموحة ورفع تصنيف مصر في مؤشرات التنمية المستدامة العالمية.
لذا، يصبح من الضروري أن يتبنى صناع القرار في مصر استراتيجيات واضحة ومستدامة لتعزيز الثقة المؤسسية في القطاع الصحي. يتطلب ذلك تفعيل نظم شاملة التقدير المادي والمعنوي والعلمي للعاملين، والاستثمار في تطوير مهاراتهم وقدراتهم، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وتعزيز قنوات التواصل الفعال مع المرضى وذويهم، وتفعيل آليات للمساءلة والشفافية. إن بناء ثقة قوية في المؤسسات الصحية هو استثمار في صحة ورفاهية المواطن المصري، وهو خطوة حاسمة نحو تحقيق أهداف رؤية مصر 2030 الطموحة ومستقبل أكثر ازدهارًا واستدامة.

عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين
استاذ م جراحة المخ والأعصاب كلية الطب جامعة المنوفية
نائب المدير التنفيذي لمستشفيات جامعة المنوفية السابق
الملحق الثقافي رئيس البعثة التعليمية بالسفارة المصرية بالسعودية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.