أسماء عبد الله تكتب | ما وراء القمة.. رسائل السياسة وموازين القوى

0

بعد أحداث القمة العربية الرابعة والثلاثين التي عُقدت في بغداد، جاءت زيارة مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي إلى القاهرة لتضيف بُعدًا جديدًا لما دار في بغداد. فهل كانت زيارة عابرة؟ أم رد فعل مباشر على خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي؟ تساؤلات عديدة حول توقيت الزيارة، ودلالاتها السياسية، وأهدافها الحقيقية ، كانت حديثا للصحف العالمية.
الزيارة تكشف بوضوح إدراك واشنطن بأن مصرهى صوت التوازن العربي، والوسيط الأهم في قضايا الإقليم. وأن خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي كان صوتًا للعقل والقوة في زمن الأزمات، خطابه وضع خطوطًا حمراء أمام السياسات الغربية المنحازة، مؤكدًا على مواقف مصر التاريخية وثوابتها تجاه القضية الفلسطينية، مطالبًا بمواقف عربية أكثر جرأة وفاعلية.
الزيارة تحمل في طياتها رسالة واضحة: أن مصر لا تزال رقمًا صعبًا في المعادلة الإقليمية، وأن أمريكا تدرك جيدًا أن تجاوز القاهرة في ملفات الشرق الأوسط لم يعد خيارًا ممكنًا. في المقابل، تُرسل مصر برسالة : أن الموقف العربي الموحد، الذي ساهمت في بلورته، هو ركيزة أي تحرك قادم، وأن سيادة القرار العربي يجب احترامها.
زيارة مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشئون العربية والشرق أوسطية والشئون الأفريقية، للقاهرة، بعد قمة بغداد ليست مجرد لقاء دبلوماسي؛ بل جزء من معركة توازنات كبرى تُعاد صياغتها في المنطقة. وفي قلب هذه المعادلة تقف مصربرؤية واضحة، وصوت عقل يحظى بالاحترام، ودور محوري لا يمكن تجاوزه. إنها لحظة تفرض على الجميع، شرقًا وغربًا، أن يستمعوا جيدًا لما تقوله القاهرة.
بكل وضوح كانت كلمة مصر عالية ” من بغداد: هنا القاهرة “.
فقد أكدت القمة العربية على تموضع مصر في قلب معادلة العمل العربي، حيث قدم الرئيس السيسي خطابًا تاريخيًا، دعا فيه إلى وحدة الصف العربي، وطرح رؤية مصرية واقعية تتجاوز الشعارات إلى العمل الفعلي. هذا الحضور اللافت أكد على الدور المحوري الإقليمي لمصروالذى لا يمكن تجاوزه، وهو ما يفسر حرص واشنطن على سرعة التنسيق مع القيادة المصرية.
ما بين خطاب الواقع العربي المتأزم، تقف مصر كعادتها ثابتة على مواقفها، صادقة في تعبيرها، وراعية لمصالح أشقائها العرب، رغم ما تواجهه من تحديات داخلية وإقليمية. وعلى طاولة القمة العربية الرابعة والثلاثين في بغداد، حمل الرئيس عبد الفتاح السيسي تلك الرؤية الواضحة، والرسائل الحاسمة، فكانت كلمته قوية، صريحة، وواقعية، كاشفة لمكامن الضعف ومُحفِّزة على استعادة القوة.
السيسي لم يكتف بإدانة العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، بل قدّم مبادرة جريئة وضرورية، داعيًا إلى وحدة الصف العربي، ومؤكدًا أن الأمن القومي العربي كلٌ لا يتجزأ، وأن العرب لن تقوم لهم قائمة إلا بتماسكهم، والتفافهم حول قضاياهم المصيرية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
القمة العربية في بغداد لم تكن مجرد محطة بروتوكولية، بل جاءت في توقيت مفصلي، وسط تحديات متراكمة: العدوان المستمر على غزة، الانقسامات الداخلية، الحروب الأهلية، ومحاولات التدخلات الأجنبية، والانهيارات الاقتصادية في أكثر من دولة. كل هذه القضايا جعلت من القمة منصة لتجديد النقاش حول مستقبل التضامن العربي، وليس فقط مراجعة الأزمات.
كلمة الرئيس السيسي لم تكن سردًا تقليديًا، بل كانت بوصلة للعقل العربي، أعادت توجيه البوصلة نحو أولويات الأمة. تحدث عن أزمات اليمن وسوريا وليبيا والسودان، مؤكدًا رفض مصر لأي تدخل خارجي، ومشددًا على أهمية وقف الاقتتال، واحترام سيادة الدول العربية؛ و أكد على دعم وحدة السودان، داعيًا لوقف إطلاق النار، وإنقاذ هذا البلد الشقيق من الانزلاق إلى المجهول، فى مبادرة ودعوة لوحدة الصف العربي.
إن مبادرة الرئيس السيسي لوحدة الصف يمكن أن تكون حجر الأساس لبناء موقف عربي جديد، أكثر تماسكًا وقوة، شريطة وجود إرادة سياسية حقيقية تُفعِّل هذا المسار وإنشاء آلية عربية موحدة لإعادة إعمار غزة، وتوحيد المواقف في القضايا المحورية ، وعلى رأسها السودان، يجب أن تتحول من مجرد توصيات إلى برامج عمل.
وتبقى الأطروحة الأهم هى : ما وراء القمة ، هى أكبر من البيانات الختامية، إنه مستقبل أمة بأكملها تبحث عن مخرج من نفق الأزمات. كلمة السيسي في بغداد كانت جرس إنذار وصوت حكمة، دعا إلى وقفة صادقة مع النفس، والتخلي عن الحسابات الضيقة، والانطلاق نحو مشروع عربي حقيقي.
السؤال الذي تفرضه اللحظة: هل تستمع العواصم العربية لصوت القاهرة؟ وهل نمتلك الشجاعة لتغليب منطق الوحدة على منطق الانقسام؟ الشعوب تنتظر، ولكن التاريخ لن ينتظر كثيرًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.