محمد أشرف ضيف يكتب | البرامجية والقرارات اللحظية

0

فـي عصر أصبحت فـيه وسائل التواصل الاجتماعي المصدر الأساسي للأخبار ومنصة رئيسية لتبادل الآراء، باتت سرعة إصدار الأحكام أمرًا‌
شائعًا. نقرأ منشورًا، نشاهد مقطع فـيديو، أو نرى تعليقًا، فنصدر رأيًا حاسمًا فـي ثوانٍ معدودة، دون التوقف للتفكير فـي السياق أو التحقق‌
من المعلومة. هذا النمط السريع يهدد جودة قراراتنا، قد يؤدي إلى قرارات متسرعة، سطحية، بل وحتى ظالمة أحيانًا.
هنا تكمن أهمية تبني أسلوب التفكير البرامجي، هو منهج علمي يعتمد على الرصد والتحليل الواقعي فـي تحديد المشكلة دون تهويل أو تهوين،‌
وتقسيمها إلى عناصر أساسية، ثم البحث عن حلول واقعية لكل عنصر والتدرج فـي معالجتها بناءً على بيانات دقيقة. هذا الأسلوب لا يسمح‌
بإصدار أحكام سريعة قبل التأكد من المعطيات ودراستها.
يرتكز التفكير البرامجي على ما هو فعّال فعلاً، ليس فقط ما يبدو صحيحًا من الناحية النظرية، ويتطلب هذا النوع من التفكير مرونة أكبر،‌
وتقبل أن بعض الحلول “المنطقية” قد لا تنجح “عمليًا” فنحتاج إلى إعادة البحث عن حلول قابلة للتنفيذ، فهو يشجع على استخدام الموارد‌
المتاحة بذكاء، ويعتبر النتائج معيارًا مباشراً للحكم، بدلاً من النوايا أو الانتماءات الفكرية.
ومن أبرز مظاهر الفكر البرامجي أيضًا احترام التخصص والثقة فـي أهل الخبرة. ففـي عالم معقد تتداخل فـيه المعارف وتتشعب فـيه القضايا،‌
لم يعد ممكنًا أن يمتلك الفرد رؤية شاملة لكل مجال. لذا فإن اللجوء إلى المتخصصين، والاستماع إلى آرائهم المبنية على دراسة وتجربة، ليس‌
ضعفًا فـي التفكير بل هو تعبير عن وعي ناضج بمنهجية اتخاذ القرار. الفكر البرامجي لا يساوي بين الرأي المبني على التخصص والرأي العابر،‌
بل يقدر المعرفة المتراكمة، ويفرق بين المعلومة السريعة والمعلومة الدقيقة، ويضع ثقة مدروسة فـي من يملك أدوات التحليل والتفسير، لأن‌
النجاح فـي حل المشكلات المعقدة يبدأ بالاستماع لمن يعرف تفاصيلها.
وفـي النهاية، أي مجتمع يتسم بالتغير السريع، يصبح الفكر البرامجي ضرورة وليس ترفًا، لأنه يتيح لك اتخاذ قرارات علمية تأخذ بعين الاعتبار‌
الظروف الاجتماعية والثقافـية والاقتصادية، وتبنى على أسس متينة وشاملة، وبعقلية تحلّل قبل أن تحكم، وتفهم قبل أن ترد..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.