إبراهيم العجمي يكتب |الإيجارات القديمة وعقد اجتماعي جديد

0

في خضم النقاش المتصاعد حول مشروع قانون الإيجارات القديمة، يلاحظ المتابع أن الأغلبية العظمى من الآراء المطروحة في الإعلام ومواقع التواصل تنحاز بشكل شبه كامل لوجهة نظر المستأجر، متجاهلة عن عمد أو جهل ما يعانيه ملاك العقارات من حرمان طويل الأمد من حقوقهم الدستورية والقانونية في الانتفاع والتصرف في ممتلكاتهم.
ليس من العدل أن تظل العلاقة الإيجارية الممتدة لعقود تُقيِّد المالك وتورّث لمستأجرين جدد في سابقة لا مثيل لها في العالم. فهل يعقل أن يحتفظ شخص أو أسرته بشقة في قلب العاصمة أو وسط المدن بسعر إيجار لا يتجاوز ثمن زجاجة مياه غازية؟ وهل يرضى عقل قانوني أو أخلاقي أن تستمر هذه العلاقة إلى الأبد، دون أفق واضح للإنهاء أو التسوية العادلة.
القضية ليست صراعًا بين غني وفقير، أو مالك طامع ومستأجر مسكين، بل هي نتاج علاقة غير سوية عمرها عشرات السنين، باتت بحاجة إلى مراجعة عادلة وشاملة تحفظ كرامة الجميع.
نحتاج إلى قانون جديد، ولكن لا نحتاج إلى تصفية حسابات اجتماعية متأخرة على حساب أطراف بعينها. فلا يجوز تحميل الملاك تبعات تقاعس الدولة لسنوات في تقديم حلول سكنية للفئات الأكثر احتياجًا.
إن مسؤولية الدولة السياسية والاجتماعية واضحة: توفير بدائل، حماية الحقوق، ضمان الانتقال العادل، ووضع تصور شامل لإدارة هذا التغيير التشريعي والاجتماعي الكبير.
ومن هنا، فإن أي مناقشة مسؤولة لمشروع القانون، وخاصة المادة الخامسة منه والمتعلقة بإخلاء الوحدات السكنية، يجب أن تسبقها دراسة موسعة لقياس الأثر الاجتماعي المتوقع، تستند إلى بيانات وآراء علمية من جهات محايدة ومتخصصة، مثل الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، المجلس القومي لحقوق الإنسان، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني المستقلة.
ذلك وحده كفيل بعرض الصورة كاملة أمام مجلس النواب، وتجنيب المجتمع أضرارًا محتملة قد تترتب على التسرع في إقرار نصوص دون فهم كامل لتأثيرها الاجتماعي والاقتصادي على ملايين الأسر.
آن الأوان لعقد اجتماعي جديد يضمن العدالة للطرفين، ويرتقي بمستوى النقاش من الشحن العاطفي والاصطفاف الشعبي إلى عقلانية القانون، وإنصاف الحق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.