يمضي بعض الناس من بيننا كما يمر النسيم، بهدوء، لكن بأثر لا ينسى. يرحلون لكن شمس أعمالهم تظل مشرقة باقية وحاضرة لا تغيب. كذلك كان حسام.. ماءً نقياً يتدفق بعطاء على من حوله، فقد كان الخير فيه طبعاً لا تصنعاً، والبذل عادة لا استثناء، لذلك لم يكتب ذكراه في قلوب محبيه بكلمات، بل بأفعال صادقة مؤثرة لا تنسى مهما مرت الأيام، بل أن صداها سوف يظل راسخاً وباقياً حاضراً.
حسام حفني المولود في 20 نوفمبر 1985م، ابن الشرقية، الأرض التي تنبت الكرم كما تنبت القمح، وتورث الشهامة كما تورث الأرض، في بيتوها تنمو النخوة، “فالجار أولى من الروح”، و”الضيف في صدر البيت” و”الكلمة عهد”، وفي شوارعها تحكي حكايات العز والكرامة عن “أحمد عرابي” و”طلعت حرب”، وفي قلوب رجالها يعيش العطاء فطرة لا تكلف، من هناك جاء حسام ابن الأرض الطيبة، وسليل عزوة وتراث يتعلم ابناءه أن الإنسان يقاس بأثره لا بمظهره، وبعطائه لا بما يملك، فقد غرست فيه الخير ، وربته على النبل، وعلمته أن العطاء لا يشترط، وأن الخير يتم في صمت، وفي الخفاء.
درس القانون بجامعة الزقازيق، لا ليرتقي وحده، بل ليكون صوتاً للعدل، وحائط صد أمام الباطل، آمن أن القانون ليس حبراً على ورق، بل ضمير حي ينصر الضعيف ويحمي الحق، ويخدم الناس، ولأن فكره لم يكن حبيس ذهنه النابغ وقلبه المحب، أختار أن يكون فاعلاً في الحياة السياسية المصرية، مؤمناً بأن خدمة الوطن تبدأ من الموقف، لذلك أراد وحقق ما اراده أن يكون جزءاً من القرار، وشريكاً في بناء مستقبل أكثر عدلاً وكرامة لأبناء بلده.
من هذا الإيمان، وتلك الإرادة الوطنية الواعية، انضم حسام إلى “تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين” في 25 يناير 2023م ليكون جزءاً من هذا الكيان الوطني الواعد الذي جمع بين مختلف الاتجاهات السياسية على هدف واحد هو: مصر، ومنذ اليوم الأول له عبر عن نفسه النقية، وروحه التي تحمل المحبة للجميع بلا استثناء، ووجهه البشوش وكلماته الطيبة الصادقة، وأفكاره الإصلاحية الوطنية لخدمة الناس، الذين عبر عن نبضهم بإخلاص وثبات يحمل صوت الشارع.
لكن الأقدار لا تمهل النبلاء طويلاً، ففي ظهيرة يوم الثلاثاء الموافق 10 يونيو 2025م وفي عمر الأربعون عام وكما ترحل الأرواح الطيبة، رحل حسام فجأة، جاء الخبر كالصاعقة، لا يصدق، ولا يحتمل، لكنه الحقيقة التي لم تشأ الأيام أن تمهد لها، رحل وهو في ريعان عطائه، وفي قمة حضوره، وكأن الدنيا لم تتسع لنبله أكثر! ولكنه علمنا أن الطيبين والنبلاء لا يودعون، بل يخلدون بأعمالهم التي تشهد عنهم في كل وقت وفي كل مكان سطعت فيه شمسها.
لكني أؤمن أن حسام لم يرحل.. لأن ما تركه وراءه سيبقى، سيرة نقية واثراً لا يمحوه الزمن، قلوباً تدعو له في كل حين، عملاً طيباً وعطاءاً لا ينقطع، وذكرى عطرة تدوم على مدى الأيام، ومواقف عظيمة سوف تظل راسخة في وجدان كل من عرفوه وأحبوه.
رحمك الله يا صديقي كما كنت رحيماً بمن حولك، وغفر لك كما كنت غفوراً للناس، وباراً بأهلك وأسرتك وأولادك ومحبيك، ونسأل الله في دعائنا الذي لا ينقطع لك أن يجعل مثواك الجنة يا أطيب الناس، ويعزي قلوبنا على فراقك، لكنك ستبقى في قلوبنا وعقولنا مادام في العمر بقية، وستبقي أعمالك وذكراك ومواقفك شاهدة على أن النبيل حسام حفني يوماً ما عاش بيننا، وسيبقى كذلك.