حمدي سيد يكتب | الموت في الفلسفة

0

الموت، تلك الحقيقة الأزلية التي تظل تلاحق الإنسان في كل لحظة من حياته، هو ليس مجرد حدث بيولوجي ينتهي فيه عمر الكائن الحي، بل هو مفترق طريق حاسم، نقطة تحول لا يعود بعدها الإنسان إلى الوراء. لطالما تساءل الفكر البشري، من مختلف ثقافاته وعقائده، عن هذا المصير الذي يواجهه الجميع بلا استثناء. ومع كل تساؤل عن الموت، يتجلى الجواب المختلف، المتعدد، بل والمتناقض في كثير من الأحيان، من الفلسفات التي تدرس الطبيعة الإنسانية، وتبحث في وجودها، غاياتها، ومصيرها.
في الفلسفة الأوروبية، التي تأثرت على مدار العصور بالمادية، الدين، والعقل، يتأرجح مفهوم الموت بين نقيضين: الأول يرى في الموت نقطة النهاية الحاسمة، التي تتوج رحلة الإنسان في هذا العالم الفاني، والثاني يراه بداية لمرحلة أخرى، ربما تكون أكثر صدقًا وأصالة من الحياة ذاتها. من سقراط، الذي تحدى خوف الموت ليعزز فكرة الخلود الروحي، إلى هايدغر الذي اعتبر الموت حجر الزاوية لفهم الوجود البشري، تقاطعت مسارات الفلسفة الغربية في محاولاتها لفهم هذا اللغز الوجودي.
أما في الفلسفة الإسلامية، فقد كان الموت دومًا نقطة انطلاق إلى عالم آخر، يتجاوز مفهوم الفناء في هذا العالم المادي، ليأخذ في طياته معنى الوجود الأبدي والاختبار الإلهي. في القرآن الكريم، يُذكر الموت باعتباره اللحظة التي تعيد فيها الروح إلى خالقها، في عملية حسابية تشمل الجزاء والعقاب. كذلك، في آراء الفلاسفة المسلمين، مثل ابن سينا والغزالي، يُرى الموت ليس نهاية تامة، بل نقطة انتقال نحو مرحلة جديدة من الوجود، تستمر فيها الروح في مسار لا يتوقف إلا في العوالم الأخرى.
تختلف الرؤى الفلسفية حول الموت، إلا أن هذه الفكرة تظل جزءًا لا يتجزأ من الحياة، حيث لا يمكن أن يكون الفهم العميق للحياة ممكنًا دون الإحاطة بجوهر الموت. من هذا المنطلق، يتطلب فحص فكرة الموت فحصًا لا يقتصر على أبعادها البيولوجية أو العقلية فقط، بل يجب أن يمتد إلى ما وراءها، إلى المعاني الروحية والوجودية التي تنطوي عليها. كيف يرى الإنسان الموت؟ هل هو النهاية المطلقة أم مجرد انتقال نحو ما هو أبدي؟ وما هو تأثير هذه الرؤية على فهمنا للوجود والعلاقات الإنسانية، بل على خياراتنا في الحياة نفسها؟ هذه هي الأسئلة الكبرى التي تقودنا في مسيرتنا لاستكشاف مفهومي الموت في الفلسفة الأوروبية والفلسفة الإسلامية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.