رولا صبحي تكتب | الديمقراطية والأحزاب

0

تمتد جذور التاريخ السياسي لعدة قرون، وخلالها شهدت التجربة الديمقراطية تقلبات كثيرة، تأثرت بشكل كبير بدور الأحزاب في تشكيل الواقع السياسي. ويجب على أي نظام سياسي حديث يسعى لتحقيق المشاركة الشعبية والعدالة الاجتماعية أن يعتبر الديمقراطية إحدى أهم الركائز الأساسية لهذا النظام.

وما نود الإشارة إليه في السياق المصري هو أن الديمقراطية ليست مجرد فكرة انتخابات فقط، بل تشمل حرية التعبير، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، ووجود مؤسسات مستقلة ذات سيادة حقيقية. في مصر، بدءًا من النظام الملكي مرورًا بثورة يوليو، وحتى عصر ما بعد 2011، كانت تجربة الديمقراطية مرهونة بتحولات سياسية واجتماعية عميقة أثرت على طبيعة المشاركة السياسية ومدى تفاعل المواطنين مع العملية الديمقراطية.

وبعد هذه الفترة، واجهت الأحزاب السياسية في ظل الديمقراطية مجموعة من التحديات والفرص. إذ تلعب الأحزاب السياسية دورًا محوريًا في تمثيل مختلف التيارات الفكرية والاجتماعية داخل المجتمع المصري، فهي القنوات التي تسمح بالتنظيم الجماهيري، وتعبير المواطنين عن آرائهم، وتمارس التفاوض مع السلطة من أجل إصلاح قائم على الديمقراطية.

ومع ذلك، واجهت الأحزاب السياسية في مصر عدة تحديات كبيرة، منها سيطرة أحزاب معينة على المشهد السياسي، مما يقلل من فرص التنوع وديمقراطية التمثيل، إلى جانب وجود بعض القيود القانونية والإدارية التي تحد من نشاط الأحزاب أو تقيد حرية تأسيسها وتوسيع قاعدتها. كما أن ضعف القدرة على التمويل والتنظيم يؤثر على قدرتها في التواصل الفعّال مع الجمهور، وبناء برامج سياسية واضحة، إلى جانب غياب التنافسية الحرة وتحقيق الديمقراطية والشفافية بشكل كاف.

ورغم كل هذه التحديات، فقد فتح الرئيس عبد الفتاح السيسي فرصًا جديدة لتعزيز دور الأحزاب السياسية في مصر ودعم العملية الديمقراطية. تمثلت هذه الفرص في السماح بعمل حملات توعوية تركز على أهمية المشاركة السياسية وأدوار الأحزاب، وفتح المجال للكيانات الشبابية الناشئة للمشاركة في تعزيز دورهم المجتمعي من خلال التوعية السياسية، مما يفتح الباب على مصراعيه لتمكين الشباب الذين يمتلكون رؤية سياسية ديمقراطية.

كذلك فإن إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية، التي أقرها مجلس النواب، يمكن أن تكون أداة فعالة لضمان تمثيل أكثر عدالة، لكن نجاحها يعتمد على كيفية تصميم وتنفيذ هذه العملية ضمن منظومة ديمقراطية شفافة ونزيهة. ومن الفرص الأخرى التي عززت مفهوم الديمقراطية في الحياة الحزبية والسياسية دعم الحوار الوطني وتشجيع الحوار بين مختلف التيارات السياسية والاجتماعية لتعزيز التفاهم المشترك.

ومن أكبر الفرص التي شهدتها مصر أيضًا تمكين الشباب والمرأة، وفتح المجال أمام فئات المجتمع التي غالبًا ما تكون مهمشة لتشارك بفعالية في العمل السياسي والحزبي. كما أن إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية منحتهم فرصًا أكبر في التمثيل البرلماني القادم.

وفي النهاية، يجب أن نقول إن الديمقراطية في مصر ليست مجرد هدف بحد ذاته، بل هي وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. والأحزاب السياسية، رغم التحديات التي تواجهها، تظل حجر الزاوية في بناء هذا المستقبل الديمقراطي. ومن خلال تبني إصلاحات حقيقية وتعزيز المشاركة الشعبية، يمكن لمصر أن تخطو خطوات واثقة نحو نظام سياسي أكثر شفافية وتمثيلًا، يعكس تنوع مجتمعها ويحقق آمال أجيالها القادمة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.