نور الشيخ يكتب | ٣ يوليو.. البحث عن الذات

0

لعل دلالة التاريخ تستحضر لنا ذكريات لا تمحى، ورمزية العنوان قد تلهمنا التفكير في البحث داخل أسوار العقل عن كيف عبرنا نهراً من الفاشية في وقت كنا نأمل في العبور على جسر المستقبل.
خارطة طريق الثالث من يوليو حملت آمال كبيرة بعد فترة تملك فيها اليأس والخوف من نفوس الشعب واستردت هوية المصريين المغتصبة خلال الفترة الحالكة للحكم الفاشي، ففي حياة الشعوب، تمر لحظات فارقة تصنع مجد الأمة وتعيد رسم مصيرها، ويظل هذا التاريخ علامة مضيئة في تاريخ مصر الحديث، حين قررت الجماهير أن تكتب بيدها فصل الخلاص، وأن تضع نهاية لحكم جماعة الإخوان المسلمين، الذي لم يُمثّل ثورة أو نهضة، بل كان تمهيدًا لفاشية دينية تُهدد كيان الدولة المصرية وهويتها.
كان هذا اليوم تتويجًا لإرادة الملايين الذين خرجوا في ميادين مصر منذ يوم 30 يونيو 2013، في مشهدٍ شعبي غير مسبوق، قدرت بعض المصادر الإعلامية العالمية أعداده بأكثر من 30 مليون مواطن، خرجوا ليطالبوا بسحب الشرعية عن نظامٍ أثبت فشله وخطورته خلال عامٍ واحد فقط من الحكم.
ليس سحب شرعية فحسب بل بحث عن الذات المصرية التي انتهكت في إسلام سياسي وفاشية، شعر المصري بالغربة داخل وطنه، شعور الاغتراب داخل الوطن هو شعور غير مقبول للمصري.
على الرغم من أن الهوية المصرية مصابة بأمراض العصر التي انتقلت لنا عبر العولمة الثقافية ولكن يوجد حد خطر ما أن تتجاوزه يقوم بإطلاق إنذار مخيف يصم الوجدان، إنذار يجمع ما فرقته السنوات والأحداث والأوضاع الاجتماعية المتعاقبة، إنذار يشعل الغيرة على الوطن.
في مساء الأربعاء، الثالث من يوليو، أطلّ الفريق أول عبد الفتاح السيسي، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع آنذاك، ليُعلن بيانًا تاريخيًا نيابة عن القوى الوطنية، يحمى به الشعب المصري من جماعة الإخوان التي جاءت الى الحكم بعد ثورة 25 يناير 2011، لكنها سقطت في أول اختبار حقيقي مع الشعب، حين انكشفت نواياها في احتكار السلطة، وأخونة الدولة، وتهميش المعارضة، وتوظيف الدين لخدمة مشروع التنظيم الدولي.
لقد بدأ واضحًا أن مشروع “الإسلام السياسي” لم يكن يسعى لبناء دولة، بل لإقامة كيان فوق الوطن، لا يعرف الديمقراطية إلا حين تخدمه، ويُقصي كل مخالف باسم الدين، وفي الأيام التالية للبيان، خرجت الملايين مجددًا لتأييد خارطة الطريق، فيما بدأ الإخوان وأنصارهم اعتصامات مسلحة في رابعة العدوية والنهضة، وارتكبوا أعمال عنف موثّقة في سيناء وعدة محافظات، ما كشف زيف “السلمية” التي لطالما تغنّوا بها.
الثالث من يوليو ليس مجرد تاريخ، بل إرادة أمة رفضت الفوضى والظلامية، وقررت أن تعود لدولتها ومؤسساتها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.