في ظل التحديات المتغيرة إقليميًا ودوليًا، لم تعد حقوق الإنسان بالنسبة للدولة المصرية مجرد شعارات تُرفع أو خطابات تُلقى، بل أصبحت مؤشرات حقيقية على مدى ترسيخ هذه القيم على أرض الواقع. فمنذ توقيع مصر على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في خمسينيات القرن الماضي، ظل هذا الملف يشهد تحركات محدودة حتى تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، حيث بدأ فصل جديد من التعامل الجاد والممنهج مع هذا الملف.
منذ عام 2014، اعتمدت الدولة المصرية نهجًا استراتيجيًا في معالجة ملف حقوق الإنسان، يعكس إرادة وطنية صادقة ورؤية ترتكز على الربط بين الحقوق الأساسية والتنمية الشاملة. لم تعد الحريات السياسية وحدها هي محور الاهتمام، بل أصبحت قضايا الأمن، الصحة، التعليم، والتكافل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من المفهوم الوطني لحقوق الإنسان.
ومن أبرز تجليات هذا التوجه، مبادرة “حياة كريمة”، التي تسعى لتطوير القرى الأكثر احتياجًا، وتوفير بيئة معيشية كريمة للمواطنين، في إطار العدالة الاجتماعية والقضاء على الفوارق التنموية بين المناطق.
في سبتمبر 2021، أطلقت الدولة أول استراتيجية وطنية شاملة لحقوق الإنسان، اعترفت من خلالها بالتحديات، وقدّمت حلولًا عملية لتحسين الحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب حقوق المرأة وذوي الهمم.
شملت الاستراتيجية مراجعة تشريعية لعدد من القوانين، منها قانون التظاهر، وقانون الجمعيات الأهلية، إضافة إلى تطوير أوضاع السجون بما يتماشى مع المعايير الدولية.
وبدات فعليا بتفيذ خطوات حقيقة على الأرض
مع انطلاق الحوار الوطني عام 2022، فُعّلت آلية العفو الرئاسي بشكل ملحوظ، ما أدى إلى الإفراج عن عدد من النشطاء السياسيين والصحفيين. ورغم استمرار الجدل، فإن هذه الخطوة تشكل تطورًا إيجابيًا يعكس مرونة الدولة واستعدادها للحوار.
وتم إنشاء مجمعات إصلاح وتأهيل جديدة وفق معايير تصفها الدولة بـ”العالمية”، وإغلاق عدد من السجون القديمة، بهدف تحسين ظروف الاحتجاز واحترام كرامة الإنسان.
وشهدت السنوات الأخيرة تمكينًا غير مسبوق للمرأة في مناصب قضائية ودبلوماسية، إلى جانب قوانين لحمايتها من العنف. كما تضمنّت الاستراتيجية محاور واضحة لدمج ذوي الهمم وحمايتهم اجتماعيًا واقتصاديًا.
ومن حقي كعضو في حزب مستقبل وطن، أفخر بالدور الريادي الذي يلعبه الحزب في ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان. فقد أنشأ الحزب أمانة متخصصة لهذا الملف، بتوجيه من النائب أحمد عبد الجواد، وتحت قيادة النائب طارق رضوان، حيث نُظمت دورات توعوية شاملة، إلى جانب طباعة الاستراتيجية الوطنية بلغة برايل لدمج ذوي الهمم في عملية التوعية الوطنية وغيرها الكثير والكثير من الفاعليات .
وختاما فإن الدولة المصرية تخطو بثبات نحو ترسيخ قيم الكرامة والعدالة، مدفوعة برؤية وطنية تؤمن بأن بناء الجمهورية الجديدة يبدأ من احترام حقوق الإنسان، في أوسع معانيها. وبينما يستمر الحوار وتتسع دائرة النقاش، فإن الطريق نحو المستقبل لا ينفصل عن احترام الإنسان وتمكينه.