دينا عامر تكتب | الموروث والقانون

0

في مجتمعاتنا، لا تزال هناك قوة خفية تشكل حياتنا وقراراتنا، قوة تتجاوز أحيانًا سلطة القانون وتعاليم الدين.

إنها الموروثات والعادات التي ورثناها جيلًا بعد جيل، حتى أصبحت جزءًا من نسيجنا الاجتماعي، مسلمات لا يجرؤ الكثيرون على التشكيك فيها، حتى لو كانت تحمل في طياتها ظلمًا واضحًا، خاصة تجاه المرأة.

كم من فتاة صغيرة زُفّت إلى زوجها لمجرد أن علامات الأنوثة بدأت تظهر عليها؟ قصة تتكرر باسم “السترة” بينما تُسلب منها طفولتها وحقها في أن تحلم وتتعلم. وكم من امرأة أُجبرت على التنازل عن ميراثها لإخوتها الذكور تحت شعار “عشان العيلة متتفرقش”، وكأن حقها هو الثمن الوحيد للحفاظ على الروابط الأسرية.

وكم من زوجة سمعت عبارة “اصبري عشان بيتك ميتخربش”، وهي نصيحة ظاهرها الرحمة وباطنها تبرير لتحمل العنف والإهانة.هذه العبارات، التي تُقال غالبًا بنية طيبة، هي في الحقيقة أغلال تقيد الأرواح. فهي تربط الشرف بالطاعة العمياء، والصبر بالتنازل عن الكرامة، والتربية بخنق الأحلام.

على الجانب الآخر، لم يقف القانون مكتوف الأيدي.

شهدت مصر في السنوات الأخيرة خطوات تشريعية مهمة، حيث تم تشديد عقوبات جرائم مثل ختان الإناث والعنف الأسري، وأصبح للتحرش تعريف وعقوبة واضحة. كما كفل الدستور، خاصة في مادته الحادية عشرة، حماية المرأة من كل أشكال العنف، وألزم الدولة بتمكينها في كافة المجالات.لكن القانون وحده لا يصنع التغيير. فما فائدة نص قانوني متقدم إذا كان الخوف من “كلام الناس” أقوى؟ وما قيمة حق يكفله القانون إذا كانت المرأة نفسها تتراجع عن المطالبة به خشية الوصمة الاجتماعية أو انهيار أسرتها؟المعركة الحقيقية ليست بين نصوص القانون وأعراف الماضي، بل هي معركة وعي. التغيير يبدأ من داخلنا، من البيوت والمدارس والمنابر. نحتاج إلى تكاتف الإعلام والتعليم ورجال الدين والمجتمع المدني لتقديم خطاب جديد يحتفي بقيمة الإنسان، ويعيد للمرأة اعتبارها كشريكة كاملة في الوطن والحياة.في النهاية، نحن أمام خيارين: إما أن نظل أسرى لماضٍ يقيدنا، أو نتحلى بالشجاعة لنبني مستقبلًا نحترم فيه حقوق بعضنا البعض، ونبدأ من جديد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.