أحمد السمنتي يكتب | الزعيم الذي بداخلك

0

في المجتمعات التي اختزلت مفهوم القيادة في المناصب، من السهل أن يغيب عنا أن هناك نمطًا آخر من الزعامة… زعامة تبدأ من الداخل.
الواقع أثبت أن كثيرًا من التغيرات المفصلية في الوعي العام لم تبدأ من قاعات الاجتماعات، بل من أفراد قرروا أن يتصرفوا كقادة قبل أن يُمنحوا هذا اللقب.

القائد الحقيقي ليس هو من يملك الكرسي، بل من يملك البوصلة.
هو من يسبق السياق، لا من يتبعه، ومن يتسع قلبه للفكرة، قبل أن يتسع له المنصب.

إن القيادة، في جوهرها، ليست سلطة تمارس بقرارات، بل مسؤولية تجسد في سلوك.
وما أكثر من جلسوا على مقاعد المسؤولية دون أن يملكوا حس القيادة، وما أكثر من قادوا دون أن تمنحهم المؤسسات لقب “قائد”.

في بيئة متغيرة، يغمرها الضجيج، تفرض القيادة الحديثة معايير جديدة؛
لم يعد الصوت الأعلى هو الأكثر تأثيرًا، بل الصوت الأوضح.
لم يعد القائد هو الذي يتلقى التعليمات، بل من يخلق سياقًا يفرض أسئلته على الجميع.

إننا بحاجة إلى قادة يفكرون لا من زاوية السلطة، بل من زاوية الأثر.
القائد اليوم هو من يعرف كيف يختار معاركه، متى يصمت ومتى يتكلم، متى يتقدم ومتى ينسحب.
هو الذي يرى أبعد من اللحظة، ويؤمن أن دوره ليس في إقناع الجميع، بل في تحريك المفاهيم.

والمفارقة أن القائد الحقيقي، في أحيان كثيرة، لا يشعر أنه “قائد”،
لأنه منشغل بالفعل، لا باللقب.
مشغول بالمسؤولية، لا بالضوء.

فلا تستهِن بأثر قرار صغير تتخذه في محيطك، ولا تقلل من قيمة موقف يراه البعض عاديًا.
فالقادة العظام لم يبدأوا من أعلى السلم، بل من لحظة وعي… لحظة شعروا فيها أن الصمت لم يعد خيارًا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.