د.راجية الفقي تكتب | تكنولوجيا المعلومات تنقذ الاقتصاد

0

في ظل أزمات اقتصادية متتالية من جائحة كورونا إلى التضخم العالمي وأزمات سلاسل التوريد تبرز تكنولوجيا المعلومات كأحد أهم أدوات الإنقاذ والتهيئة والتحول فهي أداة حيوية لمساعدة الدول على تجاوز التحديات الاقتصادية. فقد مكنت الحلول الرقمية الحكومات والشركات من تحقيق المرونة التشغيلية، وتعزيز الكفاءة، وإطلاق مصادر جديدة للنمو وفتحت آفاق جديدة للابتكار فلم تعد التكنولوجيا ترفًا أو خيارًا إضافيًا، بل أصبحت عنصرًا حاسمًا في البنية التحتية لأي اقتصاد يسعى إلى الصمود في وجه التحديات والتقلبات.
خلال جائحة كورونا اعتمدت العديد من الدول ومن بينها مصر على الحلول الرقمية لضمان استمرارية الخدمات الصحية، والتعليمية، والمصرفية حيث ظهرت أبرز ملامح تكنولوجيا المعلومات وهي قدرتها على تسريع وتيرة الاستجابة الحكومية والقطاع الخاص وتحولت محافظ فوري الإلكترونية إلى وسيلة إنقاذ للحفاظ على تدفق الأموال في السوق وحققت مصر قفزة في المدفوعات الإلكترونية تجاوزت 25% من إجمالي المعاملات.
ونجد أن دولاً مثل سنغافورة تحولت هواتف المواطنين إلى جوازات سفر صحية عبر تطبيق TraceTogether، مما سمح بإعادة تشغيل العجلة الاقتصادية بأمان. وبين عشية وضحاها، أصبحت منصات مثل زووم وTeams مقرات عمل افتراضية لحوالي نصف القوى العاملة الأمريكية. بينما أصبح نظام “أدهار” البيومتري أداة سحرية لتوصيل المساعدات الحكومية مباشرة إلى 1.3 مليار مواطن في الهند، متجاوزة كل الروتين الحكومي التقليدي وهنا نصل إلى حقيقة أن أبرع ما أنتجته الأزمات مثل أزمة كورونا هو اختراع حلول مالية ذكية
ومع تقدم التكنولوجيا يظهر الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات لمواجهة التحديات الاقتصادية حيث أن أزمة انقطاع سلاسل التوريد العالمية سنة 2021 و 2022 كشفت الحاجة إلى حلول ذكية واستخدمت خلالها الصين الذكاء الاصطناعي في إدارة الموانئ الذكية مما خفض زمن تفريغ السفن بنسبة تصل الى 30% واعتمدت ألمانيا على block chain لتتبع شحنات الأدوية والمواد الغذائية وفي مجالات التنبؤ بالازمات استخدمت البرازيل تحليل البيانات الضخمه للتنبؤ بأسعار الغذاء وتجنب أزمات التضخم كما ساهم مفهوم ريادة الاعمال الرقمية في وجود منصات رقمية للعمل الحر والتي تساعد في خلق فرص عمل خلال فترات الركود والازمات فنجد أن منصات مثل Upwork وغيرها نمت بمعدل يصل الي 50% خلال أزمة كورونا هذا النمو انعكس على تقليل معدلات البطالة بين الشباب وظهر ايضا خلال الازمات الاقتصادية المتتالية فكرة الاقتصاد التشاركي حيث انتشرت التطبيقات التي تمنح للافراد مشاركة السيارات ومساحات العمل مما يخفض التكاليف وكذلك منصات تساعد الافراد في بيع السلع المستعملة لزيادة الدخل وتوفير المستلزمات
بشكل عام ساهمت تكنولوجيا المعلومات في تحسين كفاءة الدعم الحكومي وتوزيع الموارد، لا سيما في الدول التي استخدمت قواعد البيانات المتكاملة وأنظمة الذكاء الاصطناعي لتحديد الأسر الأكثر احتياجًا وأصبح لها دورا كبيرا في خلق فرص اقتصادية جديدة، ففي الوقت الذي تتقلص فيه فرص العمل التقليدية خلال الأزمات، تبرز تكنولوجيا المعلومات كمصدر لخلق وظائف جديدة. وقد شهدت مصر في السنوات الأخيرة توسعًا في قطاع ريادة الأعمال الرقمية، لا سيما من خلال دعم الحاضنات التكنولوجية وبرامج التدريب مما مكّن آلاف الشباب من اكتساب مهارات برمجية ساعدتهم على دخول سوق العمل المحلي والدولي. على الرغم من أنه ما زالت هناك فجوة رقمية كبيرة تمثل تحديا حقيقيا خاصة في المناطق الريفية والنائية الى جانب ضعف البنية التحتية للاتصالات، وارتفاع تكلفة الأجهزة والاشتراكات، وضعف الثقافة الرقمية، كلها تحديات تعرقل استفادة ملايين المصريين من التحول الرقمي.
وفي النهاية نجد أن التاريخ الاقتصادي يعلمنا أن كل أزمة تحمل في طياتها بذور التطور والدول التي أدركت هذا مبكرًا واستثمرت في التكنولوجيا، لم تنجو فقط من العاصفة، بل خرجت منها أقوى وحققت قفزات اقتصادية أي أن الأزمات الاقتصادية لم تعد تعني الانهيار، بل أصبحت فرصة للابتكار لأن المستقبل ينتمي إلى الاقتصادات القائمة على المعرفة والابتكار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.