عادة فإنني لا أعطي الكثير من وقتي لوسائل التواصل الاجتماعي إلا عندما أقوم باستخدامها للإعلان عن أنشطة الجامعة أو رؤيتها، أو بغرض نشر تنويهات قد تُفيد أبنائنا الطلاب، لكنني صادفت مؤخرًا مقاطع فيديو لأحد القيادات السابقة بوزارة الداخلية يروي قصصًا عن مطاردة تجار المخدرات والإيقاع بهم، ويحكي عن شباب أضاعوا حياتهم في فخ الإدمان.
أعجبتني هذه الفيديوهات المنتشرة عبر المواقع الاجتماعية لما فيها من توعية ورسائل صريحة للشباب بعدم الوقوع في فخ الإدمان، لكنها أيضًا جعلتني أعود للتفكير في أن مواجهة الإدمان ليست معركة أمنية فقط، وإنما هي معركة علمية أيضًا.
فالأمن يوفر الحزم والقدرة على تطبيق القوانين في ملاحقة التجار ومعاقبتهم، بينما يقدم البحث العلمي الرؤية العميقة والأدوات التحليلية لكل الظواهر الاجتماعية والعلمية. ومن خلال تكاتفهم، يمكننا أن نصل إلى مجتمع أكثر أمانًا وصحة، ونضمن لأجيالنا القادمة بيئة خالية من السموم التي تستنزف العقول وتدمر الطاقات.
ومن هنا أشعر بالفخر بأن جامعة بنها كانت سبّاقة بإطلاق أول ليسانس متخصص على مستوى الشرق الأوسط في “علم نفس الإدمان والأساليب العلاجية”، وهو برنامج فريد من نوعه يهدف إلى إعداد خريج يمتلك المعارف والمهارات المهنية المتخصصة في مجال الوقاية والعلاج وإعادة التأهيل، وهو ما يتيح له مواكبة تطور البحث العلمي في مجال الادمان وخدمة المجتمع وعلاج السلوكيات الإدمانية.
إن إطلاق هذا البرنامج الدراسي لم يأتِ بمعزل عن الجهود الوطنية، بل جاء في إطار تنفيذ محاور الاستراتيجية القومية لمكافحة المخدرات والحد من مخاطر التعاطي التي أُطلقت برعاية فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وقد جاء انطلاق الليسانس بعدما شهد وزيرا التضامن الاجتماعي والتعليم العالي والبحث العلمي توقيع بروتوكولي تعاون بين صندوق مكافحة وعلاج الإدمان من جهة، وكل من جامعة بنها ومعهد إعداد القادة من جهة أخرى في يونيو الماضي على أن تبدأ الدراسة في هذا البرنامج هذا العام.
إن إطلاق هذا البرنامج الدراسي بجامعة بنها لا يُعد إنجازًا أكاديميًا فقط، بل رسالة وطنية مفادها أن العلم شريك رئيسي للأمن في حماية الأوطان من آفة المخدرات، وخطوة رائدة تعزز المواجهة العلمية لظاهرة الإدمان.
وهو أيضًا انعكاس لدور الجامعات المصرية في صناعة وعي حقيقي بين الشباب، وصياغة مستقبل قائم على المعرفة والمسؤولية. ولعل هذا التكامل بين الأمن والعلم، إلى جانب الدور المجتمعي الفعال، هو ما يضمن القضاء على الإدمان وحماية شباب مصر من مخاطره، وترسيخ قيم الانتماء والإرادة القوية في مواجهة كل ما يهدد الوطن.