د.إسلام علي شاهين يكتب | الحوت القاتل .. حقيقة أم تضليل متعمد؟

0

أثار مقطع فيديو انتشر مؤخراً على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي جدلاً عالمياً حول هجوم مزعوم لحوت الأوركا على مدربته. القصة التي تصدرت الترند بسرعة، كشفت لاحقاً عن حقائق صادمة لا تتعلق بالحوت بقدر ما تتعلق بالوعي الإعلامي والتلاعب بالرأي العام.

الأوركا… ليس قاتلاً بل “قاتل حيتان”… خلافاً للقب الشائع “الحوت القاتل” (Killer Whale)، الذي يثير الرعب، فإن الاسم الحقيقي لهذا الكائن هو “قاتل الحيتان” (Whale Killer). يوضح هذا التوصيف بدقة دوره في البيئة البحرية، حيث يتربع على قمة السلسلة الغذائية وقدرته الفائقة على اصطياد أكبر الحيتان. تشير الأبحاث إلى أن الأوركا ليس عدوانياً تجاه البشر في بيئته الطبيعية، وأن حوادث الهجوم المسجلة نادرة جداً وتحدث بشكل شبه حصري في بيئات الأسر.
يتمتع الأوركا بذكاء استثنائي، حيث يقترب وزن مخه من 7 كيلوجرامات، ويحتوي على تعاريج معقدة تشبه تلك الموجودة في المخ البشري. هذا الذكاء يضعه في مرتبة متقدمة على العديد من الكائنات الأخرى مثل الشمبانزي، ويقدر العلماء أن قدراته الذهنية تضاهي قدرات شاب في السادسة عشرة من عمره. هذا الذكاء يظهر جلياً في تكتيكات الصيد الماكرة، حيث تتولى مجموعات الأوركا مهمة محاصرة ومناورة القرش الأبيض، واستهداف مواضع قاتلة في جسمه مثل الكبد أو المخ.
سلوكيات اجتماعية معقدة ومشاعر عميقة
يكشف علماء الأحياء البحرية عن عالم معقد من التواصل والمشاعر لدى الأوركا. يمتلك هذا الكائن لغة خاصة به تتكون من مجموعة متنوعة من الأصوات والصفير، كما أنه قادر على تعلم وتقليد بعض الكلمات البشرية. كل فرد في عشيرة الأوركا له اسم يميزه، وتتبع كل عشيرة عادات وتقاليد خاصة بها، من طرق الحركة في البحر إلى سلوكيات التفاعل مع العالم الخارجي.
الأكثر إثارة للدهشة هو قدرة الأوركا على التعبير عن مشاعر عميقة ومعقدة كالتي نراها لدى البشر. فقد لوحظت حالات تظهر فيها الأوركا الحزن، مثل قصة الأم التي حاولت إنعاش صغيرها الميت لمدة 17 يومًا، أو حالة انتحار لأوركا بعد وفاة شريكها. كما أنهم يمتلكون حسًا فكاهيًا، ويتبادلون النكات ويقومون بخدع ومقالب لبعضهم البعض وللبشر.

الأسر: سجن يولد العدوانية… تشير أغلب الحالات التي هاجم فيها الأوركا البشر إلى أن هذه الحوادث وقعت في بيئات الأسر. يظهر الأوركا في الأسر سلوكيات تشبه تلك التي يظهرها المساجين من عدوانية وقلق وتوتر، ما قد يدفعه لمهاجمة مدربيه بدافع الانتقام أو الإحباط. وفي المقابل، هناك قصص تظهر معدنهم الأصيل، مثل حادثة إنقاذ ثلاثة من الأوركا لمدربهم الذي كسر ضلوعه وسقط في حوض السباحة، حيث حملوه بعناية بعيدًا عن موضع الألم ليوصلوه إلى بر الأمان.

حقيقة الفيديو المضلل… وأبعادها السياسية… وهنا تكمن المفاجأة الكبرى التي يجب تسليط الضوء عليها. الفيديو الذي تم تداوله بشكل واسع حول هجوم الأوركا على المدربة “جيسيكا رادكليف” هو فيديو مفبرك بالكامل، تم إنتاجه ببرامج ذكاء اصطناعي متطورة. لا وجود لمدربة بهذا الاسم، والخبر لم يتم نشره من قبل أي وسيلة إعلامية محترمة، بل كان مصدره الأساسي هو منصات التواصل الاجتماعي.
الهدف من هذه الحملة التضليلية يبدو واضحاً. في الوقت الذي كان فيه العالم منشغلاً بقصة خيالية عن حادثة لم تحدث، كانت الأحداث الحقيقية تتصاعد في غزة، حيث كان يتم التغطية على الاجتياح البري الشامل وقتل الآلاف من الأبرياء. يعكس هذا التباين في الاهتمام الإعلامي حجم التأثير الموجه الذي يمكن أن يمارسه الإعلام لخلق “ترند” زائف يصرف الأنظار عن القضايا الأكثر أهمية وإلحاحاً. إن هذه الحادثة تبرهن على أن الإعلام اليوم هو سلاح قوي، ومن مسؤوليتنا كجمهور أن نكون على درجة عالية من الوعي والنقد، وأن نبحث عن الحقيقة بأنفسنا بدلاً من الانجراف وراء ما يتم تسويقه لنا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.