محمد عادل محمد يكتب | النيل من الفراعنة للعصر الحديث
لقد كتب جمال حمدان وهو المؤرخ المصري العبقري عن النيل في كتابه ” شخصية مصر”
واصفا النيل : الحقيقة الأولى في الوجود المصري هي أن مصر هي النيل، فبدونه لا كيان لها
ليس فقط من حيث مائه، وإنما أيضا من حيث تربته.. إن النيل لا جدال “” أبو مصر”” منه
استمدت جسمها ودمها، أو طميها ومائها.
هذا الحب لم يكن مجرد عاطفة سطحية عند جمال حمدان، بل كان مستمدا من فهمه العميق
لدور النيل في تشكيل الحضارة المصرية عبر التاريخ، فلم يكن يتحدث عن نهر النيل وكأنه
مجرى مائي فقط، بل كشريان حياة ومصدر وجود للحضارة المصرية.
وهو لا يتحدث عن ماء يجري أو طمي يتجمع، ولكن عن روح تسري في عروق وطن.. عن
أب حنون يطعم أبنائه من خيره ويسقيهم من مائه العذب ويربي حضارة تضيئ الدنيا.
النيل في مصر ليس مجرد شريان مائي.. إنه الحكاية التي تبدأ كل صباح حين تشرق الشمس
على مياهه، والحلم الذي يرافق المصريين جيلاً بعد جيل. الأجمل هو أن حب النيل جزء من
حب مصر، فهما كالقلب والنبض.. لا معنى لأحدهما بدون الآخر.
وعلى مر الزمان النيل هو جزء من الهوية المصرية ومرتبطان ببعضهما، لدرجة عند الحديث
عن مصر دون ذكر النيل أمراً منقوصًا، فلقد تشكلت الشخصية المصرية على ضفاف النيل،
وتعلمت الزراعة وأدركت قيمة العمل الجماعي في مواجهة تحديات الفيضان والجفاف، وهو ما
رسخ في وجدانها روح التعاون والتنظيم، ومع توحيد القطرين أصبح النيل رمزاً للوحدة الوطنية،
يجمع بين أهل الشمال والجنوب في مستقبل واحد، فقبل الطرق البرية، كان النيل هو الطريق
التجاري الوحيد فكانت السفن الخشبية تحمل الحبوب والذهب والبردي من الجنوب الى الشمال،
وتعود بالسلع المستوردة، فهذا الطريق ساعد على وحدة مصر لأكثر من ثلاثة آلاف عام.
وقد ارتبط فيضان النيل باثنين من أشهر آلهة مصر القديمة، هما حورس ( رب الانتقام)
وحاتحور إلهة الحب والجمال والموسيقى وإلهة الحرب، حيث تقول الأسطورة أن حاتحور كانت
زوجة للإله حورس، ولم تكن حاتحور تزور حورس إلا مرة واحدة كل عام في فترة النصف
الأخير من شهر يوليو والنصف الأول من أغسطس، وعند لقاء الإله حورس بإلهة الحب
حاتحور كان فيضان النيل يبدأ وكان الخير يعم أرض مصر ولذلك فالمصريون القدماء سموه
“الإجتماع الطيب” نظرا لما يأتي من خير ونماء نتيجة هذا الاجتماع.