محمد حوام يكتب | أسرار الدول.. ليس كل ما يُعرف يُقال

0

الحكمة القديمة التي تقول: “ليس كل ما يعرف يقال” ليست مجرد نصيحة أخلاقية بل هي قاعدة استراتيجية في عالم السياسة والأمن القومي.
ف المعلومة قد تتحول إلى أداة بناء أو معول هدم والسر قد يكون في لحظة ما أهم من السلاح ذاته.

الأمن القومي المصري كان عبر التاريخ أوضح مثال على هذه الحقيقة فمنذ آلاف السنين أدرك الفراعنة أن حماية الدولة لا تقوم فقط على الأسوار والجيوش بل على السرية والكتمان. خطط المعارك الكبرى لم تكن تعلن بل ظل عنصر المفاجأة هو السلاح الأقوى في مواجهة الغزاة. وفي العصر الحديث بلغ هذا المبدأ ذروته في حرب أكتوبر 1973 حينما اعتمدت مصر على سرية التخطيط و الخداع الاستراتيجي فكانت النتيجة نصرا غير مسبوق غير معادلات المنطقة.

على الصعيد السياسي تظل مصر اليوم في مواجهة تحديات إقليمية ودولية بالغة التعقيد. فهناك ملفات تخص مياه النيل وأخرى تتعلق بالأوضاع في غزة وليبيا والسودان فضلا عن محاولات مستمرة لإضعاف الموقف العربي. في هذه الملفات لا يمكن أن تكشف الدولة أوراقها كاملة لأن السياسة ليست خطابا شعبيا فقط بل هي إدارة دقيقة للمعلومات وحسن اختيار للتوقيت والموقف. التصريح بكل ما يعرف قد يفسد التفاوض أو يكشف النوايا أمام الخصوم أو يتيح للآخرين استغلال المعلومة ضد مصالح مصر العليا.

التاريخ يعلمنا أن الدول التي تكشف كل أسرارها لا تدوم قوتها طويلا، بينما الدول التي تحسن الصمت وقت الحاجة تبقى قادرة على المناورة وحماية سيادتها. لذلك فإن عبارة “ليس كل ما يعرف يقال” هي جوهر العمل السياسي و الأمني وهي الفاصل بين الحكمة والاندفاع.

واليوم ونحن نعيش في زمن مفتوح العيون والآذان يصبح الكتمان ليس خيارا بل واجبًا وطنيًا. إن سر قوة مصر كان وسيبقى في قدرتها على أن تعرف الكثير ولا تقول إلا ما يخدم مصلحتها العليا. فالأوطان لا تُبنى بالثرثرة بل تُصان بالحكمة. ومصر التي علّمت العالم معنى الدولة لن تسمح أبدًا أن تُؤخذ على حين غرة.
ليس كل ما يُعرف يُقال وما لا يُقال هو سر القوة والبقاء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.