مصطفي محمد يكتب | سباق التسلح الجديد

0

يشهد العالم اليوم ملامح سباق تسلح جديد، لكنه أكثر تعقيدًا وأشد خطورة من سباق الحرب الباردة الذي‌
دار بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ففي الماضي كان الصراع يتمحور حول امتلاك الترسانات‌
النووية وتحقيق توازن الرعب، أما اليوم فإن المشهد يتسع ليشمل تقنيات الذكاء الاصطناعي العسكري،‌
والطائرات المسيّرة، وأنظمة الفضاء، والأسلحة فرط الصوتية بجانب الأسلحة النووية، كل هذه التغيرات‌
لا تقتصر على إعادة رسم ميزان القوى، بل تحمل معها تحديات أخلاقية وقانونية تهدد استقرار النظام‌
الدولي بأسره.
خلال الحرب الروسية الأوكرانية عاد التلويح باستخدام السلاح النووي ليصبح أداة ضغط سياسي‌
وعسكري، وبالرغم من وجود معاهدة حظر الانتشار النووي، فإن فعاليتها تراجعت وعلي وجه التحديد بعد‌
تدهور العلاقات بين موسكو وواشنطن، هذا المشهد يعيد للأذهان أزمات خطيرة عرفها القرن العشرون،‌
لكنه هذه المرة أكثر تعقيدًا لأن أدوات الصراع لم تعد نووية فقط، بل تكنولوجية أيضًا.
الذكاء الاصطناعي العسكري يمثل أبرز ملامح هذا التحول، فالدول الكبرى تطور أنظمة قادرة على اتخاذ‌
قرارات هجومية أو دفاعية بشكل شبه آلي، دون تدخل بشري مباشر، بالإضافة إلى ذلك، تنتشر الطائرات‌
المسيّرة القادرة على تنفيذ عمليات معقدة بتكلفة منخفضة نسبيًا، ورغم أن هذه التقنيات قد تعزز الردع،‌
فإنها في الوقت نفسه تفتح الباب أمام مخاطر فقدان السيطرة على قرار الحرب، وتثير أسئلة أخلاقية‌
وقانونية حول حدود استخدامها.
أما على مستوى القوى الكبرى، فإن الولايات المتحدة تركز على دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمتها‌
الدفاعية، بينما تسعى الصين إلى تعزيز قوتها الفضائية والسيبرانية ضمن رؤيتها للنهضة العالمية، بينما‌
تسعي روسيا في التوصل إلى تحديث ترسانتها النووية وتطوير أسلحة فرط صوتية، ما يجعلها لاعبًا‌
رئيسيًا في سباق جديد متعدد الجبهات، هذه الصورة تعكس انتقال العالم من ثنائية القطبية النووية‌
القديمة إلى مرحلة أكثر تشابكاً وتعقيدًا.

المشكلة تكمن في القوانين والاتفاقيات الدولية التي لم تلحق بهذا التطور، فالمعاهدات الحالية وُضعت‌
لعصر الأسلحة التقليدية والنووية، ولم تتطرق إلى تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي أو الأسلحة السيبرانية،‌
ولهذا يطالب خبراء ومحللون بضرورة صياغة اتفاقات جديدة تنظم استخدام هذه الأدوات، قبل أن تتحول‌
إلى تهديد مباشر للسلم والأمن العالمي.
في النهاية يمكن القول إن سباق التسلح الجديد لا يقل خطورة عن سباق القرن الماضي، بل ربما يفوقه‌
تعقيدًا، وإذا لم تتحرك القوى الدولية نحو اتفاقات توازن بين الردع والأمن الجماعي، فإن العالم قد يجد‌
نفسه أمام مواجهة غير محسوبة، تدفع ثمنها الشعوب قبل الحكومات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.