عبد الرحمن بدر الدين يكتب | القطاع المصرفي والإرهاب الإلكتروني

0

يُعَدّ الإرهاب الإلكتروني من أخطر التحديات التي تواجه العالم الرقمي في عصرنا الحالي، حيث لم يَعُد يقتصر على اختراق المواقع أو تعطيل الأنظمة، بل امتدّ أثره ليطال القطاع المصرفي الذي يُشكّل العمود الفقري للاقتصاد. وأخطر ما يواجهه العملاء اليوم هو سرقة بياناتهم المصرفية واستخدامها في عمليات احتيال منظَّمة تُهدّد مدخراتهم واستقرارهم المالي.

من أبرز الوسائل التي يلجأ إليها مجرمو الإنترنت ما يُعرف بــ خداع العملاء عبر الاتصال الهاتفي أو الرسائل الإلكترونية، حيث يتظاهر المحتالون بأنهم موظفون بالبنوك ويطلبون من الضحية “تحديث بياناته” أو “تأكيد هويته”. وبمجرد أن يُفصح العميل عن معلوماته السرية، يُصبح صيداً سهلاً للصوص الذين يسلبون أمواله دون أن يدرك حجم الكارثة إلا بعد فوات الأوان.

وتزداد خطورة هذه العمليات عندما تُستغل بعض المواقع والتطبيقات غير الآمنة التي لا تُرسل رمز التحقق OTP لإتمام المعاملة، مما يُسهّل تمرير عمليات تحويل أو سحب دون علم العميل. وهنا يجتمع العامل النفسي (الخداع) مع الثغرة التقنية (غياب الحماية المزدوجة)، ليُوجّه المحتالون ضربة مباشرة إلى ثقة العملاء بالقطاع المصرفي.

إحصاءات عالمية تُبرز حجم الخطر

الأرقام العالمية تُؤكد أنّ هذا التهديد لم يعُد مجرد ظاهرة محدودة، بل أصبح وباءً رقمياً:
• في بريطانيا وحدها، سُجِّلت عام 2024 أكثر من 3.31 مليون عملية احتيال مصرفي بخسائر قاربت 1.17 مليار جنيه إسترليني، منها 450 مليون عبر خداع العملاء، و722 مليون نتيجة هجمات غير مصرح بها.
• على المستوى العالمي، بلغت خسائر الاحتيال السيبراني عام 2024 نحو 16.6 مليار دولار بزيادة 33% عن العام السابق، وسط تحذيرات من استخدام الذكاء الاصطناعي في صياغة رسائل احتيالية أكثر إقناعاً.
• في أوروبا ارتفعت محاولات الاحتيال الرقمي بنسبة 43% في عام واحد، بينما زادت هجمات الهندسة الاجتماعية بـ 156% والتصيّد الإلكتروني بـ 77%.
• أما في الولايات المتحدة، فقد خسر المستهلكون عام 2024 أكثر من 12.5 مليار دولار بسبب الاحتيالات الرقمية، مع تسجيل 2.6 مليون بلاغ رسمي.
• على صعيد البرمجيات الخبيثة، ارتفع عدد مستخدمي هواتف أندرويد الذين واجهوا فيروسات بنكية من نوع Trojan-Banker إلى 247,949 مستخدماً عام 2024، أي أكثر من ثلاثة أضعاف العام السابق.

مسؤولية مشتركة وحرب صامتة

تُبرز هذه الإحصاءات أنّ ما يحدث ليس مجرد جرائم متفرقة، بل هو حرب صامتة تُشن ضد القطاع المصرفي لزعزعة الثقة وتقويض الأمن الاقتصادي. وهنا تتجلّى المسؤولية المشتركة:
• على العملاء أن يكونوا أكثر وعياً وألا يُفصحوا عن بياناتهم تحت أي ظرف.
• وعلى البنوك الاستمرار في تطوير أنظمتها الأمنية، وتكثيف التوعية، وتعميم التحقق المزدوج (OTP) على جميع خدماتها الرقمية.

وفي النهاية، فإنّ الإرهاب الإلكتروني ضد القطاع المصرفي لا يهدّد فقط حسابات الأفراد، بل يُعرّض الاقتصادات الوطنية والمجتمعات للخطر، والتصدي له يتطلب يقظة دائمة وتعاوناً وثيقاً بين المؤسسات المصرفية والعملاء على حدّ سواء

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.