أحمد الأشعل يكتب | رؤية جديدة لمستقبل الطاقة

0

قطاع البترول المصري، الذي يمثل ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني ومصدرًا رئيسيًا لتأمين احتياجات الدولة من الطاقة، ظل لعقود طويلة يسير بنهج يحافظ على استقراره، لكنه في الوقت نفسه لم يكن دائمًا قادرًا على مجاراة التغيرات العالمية المتسارعة. ومع صعود جيل جديد من التحديات، سواء في سوق الطاقة الدولية، أو في الداخل المصري مع زيادة الطلب واحتياجات التنمية، كان لا بد من فلسفة إدارة جديدة تتجاوز النمط التقليدي إلى رؤية أكثر جرأة وانفتاحًا. هنا جاء دور كريم بدوي، الذي فتح الباب واسعًا أمام عملية تغيير واسعة المدى، وضخ دماء جديدة قادرة على الجمع بين الخبرة الفنية والقدرة على التفكير الاستراتيجي، مؤمنًا بأن معيار الكفاءة والإنجاز هو البوصلة الحقيقية لاختيار القيادات.
هذه التغييرات لم تتوقف عند حدود الإدارة، بل امتدت إلى صياغة سياسات أكثر شمولًا. فقد تبنى القطاع في عهده رؤية تركز على تعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين ليس فقط في مجالات الاستكشاف والإنتاج، وإنما أيضًا في الملفات الجديدة التي فرضها الواقع العالمي، مثل التحول الطاقي والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. وهو بذلك يضع مصر في قلب التحولات العالمية بدلًا من أن تكون مجرد متلقٍ لها. وفي الوقت نفسه، أعاد التركيز على تعظيم الاستفادة من البنية التحتية الضخمة التي أنشأتها الدولة في السنوات الأخيرة من مصانع إسالة الغاز ومحطات التكرير والشبكات القومية للنقل والتوزيع، بما يجعل من مصر مركزًا إقليميًا محوريًا لتجارة وتداول الطاقة في شرق المتوسط والعالم.
لا يمكن الحديث عن هذا التغيير دون التوقف أمام العنصر البشري، الذي أصبح في قلب الاهتمام. فبرامج التدريب والتأهيل لم تعد إجراءات شكلية، بل تحولت إلى استثمار استراتيجي في المستقبل. والوزارة الآن تعيد بناء صفوف ثانية وثالثة من القيادات من خلال برامج متطورة داخل مصر وخارجها، تتيح للعقول الشابة أن تستوعب أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا العالمية في مجالات التحول الرقمي، وإدارة المشروعات العملاقة، والتحكم الذكي في منظومات البترول والغاز. وهو ما يضمن أن القطاع سيظل قادرًا على التطوير والتجديد لعقود قادمة.
إن هذه التغييرات الواسعة حملت رسائل قوية للداخل والخارج في آن واحد. للعاملين داخل القطاع كانت الرسالة واضحة: أن باب الفرص مفتوح أمام كل من يملك الكفاءة والطموح، وأن المستقبل سيصنعه من يثبت نفسه بالعمل والإنجاز لا بالانتظار. وللمستثمرين والشركاء الدوليين كانت الرسالة أكثر وضوحًا: أن مصر تبني قطاعًا حديثًا مرنًا شفافًا، قادرًا على أن يكون شريكًا موثوقًا في صناعة الطاقة العالمية، وقادرًا على المنافسة الإقليمية في وقت شديد التعقيد.
انعكاسات هذه التغييرات لا تقف عند حدود وزارة البترول، بل تمتد إلى الاقتصاد الوطني بأكمله. فزيادة الإنتاج المحلي من الغاز والبترول تسهم في تقليل فاتورة الاستيراد وتخفيف الضغط على العملة الصعبة، كما أن التوسع في الاستثمارات البترولية يجذب مزيدًا من رؤوس الأموال الأجنبية ويخلق فرص عمل جديدة، فضلًا عن دعم الصناعات الوطنية التي تعتمد على الطاقة كمدخل إنتاج أساسي. وبذلك يصبح قطاع البترول ليس فقط داعمًا لاحتياجات مصر من الطاقة، وإنما أيضًا محركًا للنمو الاقتصادي ومصدرًا لتعزيز مكانة مصر الإقليمية والدولية.
إن ما يجري اليوم داخل قطاع البترول المصري يمكن وصفه بأنه ثورة هادئة، ثورة لا تعتمد على الشعارات أو القرارات المفاجئة، بل على إعادة بناء متأنية وواعية للقطاع من الداخل والخارج. ثورة قوامها الجرأة في اتخاذ القرار، والإيمان بأن التغيير ضرورة، وأن الطريق إلى المستقبل لن يكون إلا بالكفاءة والشفافية والانفتاح على العالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.