52 عامًا مرت، ولا تزال حرب السادس من أكتوبر 1973، نبراسًا ينير الطريق نحو مستقبل مزدهر، إذ تعد تلك الحرب ملحمة بطولية توقف عندها كاتبو التاريخ، لما انطوت عليه صفحات تلك المعجزة العسكرية من بطولات مصرية متكاملة الأركان
كلما مرت ذكرى السادس من أكتوبر 1973، كلما شعرنا أنها كانت أمس القريب، واسترجعنا معها عظمة الانتصار، الذي كان بمثابة معجزة لا يمكن إنكارها، حققتها صلابة وشجاعة المقاتل المصري، الذي طالما استعد وتأهب للقاء العدو المغتصب، فقد أعاد جيل أكتوبر الثقة لجموع المصريين، وبرهن أن هذه الأمة لا يقهرها عدو، ولا تقلل من عزيمتها المحن، لذلك سيظل أكتوبر فصلاً كبيراً في تاريخ المصريين، وعلامة كبيرة لنصر ستخلده الأجيال حتى قيام الساعة
نكسة يونيو67
******
تظل نكسة 5 يونيو 1967 الحدث الأسوأ في تاريخ مصر، خاصة مع تداعياتها الخطيرة التي نعيش آثارها إلى اليوم، فخلال 6 أيام فقط، احتلت إسرائيل من الأراضى العربية، ما لم تكن تحلم به، فضلا عما خلفته من آثار نفسية في نفوس العرب والمصريين
حرب الاستنزاف 6 سنوات
—–
ونجحت القوات المصرية في إلحاق خسائر فادحة بالاحتلال في حرب الاستنزاف في معركتى رأس العش ورأس العين ودمروا المدمرة إيلات وفجروا الحفار الإسرائيلى في المحيط الأطلنطى، ونجحوا في تدمير ميناء إيلات، فضلا عن عمليات (المجموعة 39 قتال) في الجيش المصرى بقيادة العميد إبراهيم الرفاعى وقد أعادت هذه العمليات الثقة للجنود المصريين ومهدت لحرب 6 أكتوبر 1973، وكانت أمريكا في نهاية حرب الاستنزاف قد سارعت لإنقاذ إسرائيل عبر مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار”
بدأت مصر حرب الاستنزاف ضد إسرائيل على ثلاث مراحل في أعقاب نكسة 1967؛ أولها مرحلة الصمود (يونيو 1967-أغسطس 1968) التي هدفت إلى سرعة إعادة البناء ووضع الهيكل الدفاعي للضفة الغربية لقناة السويس، مما تطلب هدوء الجبهة حتى توضع خطة الدفاع موضع التنفيذ بما تتطلبه من أعمال كثيرة وبصفة خاصة أعمال التجهيز الهندسي المطلوبة. يليها مرحلة الدفاع النشط (سبتمبر 1968-فبراير 1969) والتي كان الغرض منها تنشيط الجبهة والاشتباك بالنيران مع القوات الإسرائيلية بغرض تقييد حركة قواتها في الخطوط الأمامية على الضفة الشرقية للقناة، وتكبيدها قدرًا من الخسائر في الأفراد والمعدات. يليها مرحلة التحدي والردع (مارس 1969-أغسطس 1970) من خلال عبور بعض القوات والإغارة على القوات الإسرائيلية لتكبيدها أكبر قدر من الخسائر في الأفراد والمعدات، وتهيئة الجيش المصري عمليًا ومعنويًا للمعركة المنتظرة، لتصل حرب الاستنزاف إلى ذروتها في أكتوبر 1973، حيث الهجوم المفاجئ واقتحام قناة السويس وتحرير الأرض واستعادة سيناء. خلال هذة الفترة الزمنية، نفذت كم هائل من الأعمال البطولية لأفراد القوات المسلحة البواسل، ومنها معركة “رأس العش
*******
إعادة بناء القوات المسلحة
—-
عبقرية السادات..
“إعادة بناء الجيش المصري: التحضير لحرب أكتوبر 1973 في ثلاث سنوات فقط..
بعد نكسة 1967، تولى أنور السادات رئاسة مصر في 1970 بعد وفاة جمال عبد الناصر. كان من أولويات السادات إعادة بناء الجيش المصري وتطويره، بعد الهزيمة القاسية التي مُني بها الجيش في حرب 1967. وقد قام السادات بإجراءات استراتيجية وعسكرية أساسية على مدار ثلاث سنوات (1970-1973) لبناء قوة عسكرية قادرة على مواجهة إسرائيل في حرب مقبلة. إليك أبرز الخطوات التي قام بها السادات لإعادة بناء الجيش المصري في هذه الفترة:
1. إعادة تأهيل القوات المسلحة:
بعد الهزيمة في 1967، كان الجيش المصري بحاجة إلى إعادة بناء، سواء من الناحية البشرية أو العسكرية. تم تجنيد وتدريب أعداد كبيرة من الجنود الجدد، وقام السادات بتوسيع حجم الجيش وتزويده بالأسلحة الحديثة.
بدأ السادات بإصلاح الهياكل القيادية في الجيش، وتعيين ضباط أكفاء لإعادة تنظيم القوات وتحسين الكفاءة القتالية.
2. الاستعانة بالمساعدات العسكرية السوفيتية:
بعد النكسة، بدأت مصر في التعاون مع الاتحاد السوفيتي للحصول على الأسلحة الحديثة والتكنولوجيا العسكرية. في هذه الفترة، تركزت المساعدات السوفيتية على تزويد الجيش المصري بالأسلحة المتطورة مثل الدبابات والطائرات وأنظمة الدفاع الجوي.
من أبرز هذه الأسلحة كانت أنظمة الدفاع الجوي مثل “السام 6” و”السام 3″، التي لعبت دورًا حاسمًا في تعطيل التفوق الجوي الإسرائيلي في حرب 1973.
3. إعداد القوات البحرية والجوية:
إلى جانب القوات البرية، عمل السادات على تطوير القوات الجوية والبحرية المصرية. في هذا الإطار، حصلت مصر على طائرات مقاتلة ومروحيات هجومية من الاتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى تحديث القوات الجوية للقيام بمهام هجومية ودفاعية.
كما تم تحسين قدرة الدفاع الجوي بشكل كبير، حيث تم نشر صواريخ مضادة للطائرات وأنظمة رادار متطورة لمواجهة الطائرات الإسرائيلية.
4. التدريب والمناورات العسكرية:
السادات أعطى أهمية كبيرة لتدريب القوات المصرية على مختلف أنواع العمليات العسكرية، بما في ذلك التدريبات على الحرب التكتيكية والقتال في سيناء. وكان يتم إجراء مناورات مشتركة بين القوات البرية والجوية، بهدف تنسيق العمل بين الأسلحة المختلفة في الجيش.
ركز السادات على تحسين الروح المعنوية للجنود، من خلال التأكيد على ضرورة الاستعداد للقتال وانتزاع حقوقهم من الاحتلال الإسرائيلي.
5. إستراتيجية الحروب الصغيرة:
في السنوات التي تلت نكسة 1967، اعتمدت مصر على سياسة “حرب الاستنزاف” ضد إسرائيل، وهي حرب محدودة الهدف تهدف إلى إضعاف القوة الإسرائيلية تدريجيًا. خلال هذه الفترة، تم تكثيف الهجمات على المواقع الإسرائيلية على طول قناة السويس.
هذه الحرب كانت بمثابة تحضير عسكري ونفسي للقوات المصرية لخوض حرب شاملة أكبر ضد إسرائيل.
6. التحضير لحرب أكتوبر 1973:
خلال هذه السنوات الثلاثة، كان السادات يخطط بعناية لحرب 1973، حيث كان الهدف النهائي هو تحرير الأراضي المصرية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، وخاصة سيناء.
في هذه الفترة، أعاد السادات بناء الثقة في الجيش المصري، وعزز الروح القتالية للمقاتلين، مع التركيز على تحقيق مفاجأة استراتيجية ضد إسرائيل.
تم تحديد خطة متكاملة لشن الهجوم على الجبهة المصرية في أكتوبر 1973، بما في ذلك عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف الدفاعي الإسرائيلي.
7. التنسيق مع الدول العربية:
عمل السادات على تعزيز التعاون العسكري مع الدول العربية الأخرى، مثل سوريا، وذلك من خلال التنسيق المشترك في خطط الهجوم ضد إسرائيل. هذه التنسيقات أدت إلى تشكيل جبهة عربية موحدة ضد إسرائيل في حرب 1973.
تدمير خط بارليف
***********
في مذكراته عن حرب أكتوبر، وتحت عنوان قناة السويس وموانع العبور، يشير الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة إبان حرب اكتوبر المجيدة، إلى أن خط بارليف كانت يمتد شرق قناة السويس بعمق من 25 إلى 30 كيلو متر، وبطول القناة حوالي 180 كم، وكان يعتمد بشكل أساسي على النقاط الحصينة، الواقعة بجوار خط القناة، ومحاطة بحقول الألغام والموانع الصناعية الصعبة والأسلاك الشائكة، ويتكون من 35 نقطة حصينة، تتراوح المسافة بينها حوالي كيلومتر واحد في الأماكن والاتجاهات المهمة، إلى 5 كيلومترات في المناطق غير المهمة، أما في منطقة البحيرات المرة تتابعد هذه الحصون لتصل إلى 10 إلى 15 كم بين كل نقطة وأخرى.
يستفيض الفريق الشاذلي في وصف خط بارليف ويقول:” كانت النقاط الحصينة لديها الاكتفاء الذاتي لمدة 7 أيام، ولها اتصالات مباشرة مع قيادتها الخلفية، وكانت القوة الأساسية التي تحمي خط بارليف مكونة من لواء مشاة قوامه حوالي 2000 إلى 3000 جندي، و3 ألوية مدرعة بمجموع 360 دبابة، يتم توزيعها بصورة تضمن لها سرعة التحرك حال هجوم الجيش المصري، وقد كانت تتمركز قوة من لواء مدرع “120 دبابة”، على مسافة من 5 إلى 8 كم، ثم باقي القوات ” 240 دبابة” في نطاق من 25 إلى 30 كم، وتنضم هذه الوحدات لبعضها البعض، حال الهجوم من الجانب المصري، وتتحصن في مواقعها الدفاعية.
لقد كانت النقاط القوية تشمل أيضاً خزانات لمادة النابالم الحارقة، التي كانت تتصل بقناة السويس من خلال مواسير وفتحات ممتدة، بحيث يتحول سطح القناة إلى لهب مشتعل، إذا حاول الجيش المصري عبور قناة السويس، وقد نجح رجال الضفاضع البشرية بالقوات البحرية في سد هذه الفتحات، وتحييدها عن المعركة خلال ساعات العبور.
تدمير خط بارليف لم يكن بخراطيم المياه كما يروج البعض، بل كان أعظم عمل عسكري شهده التاريخ الحديث، وأهم معركة للأسلحة المشتركة قادها الجيش المصري بتخطيط شديد الدقة والكفاءة، لذلك يجب أن نفرق بين الساتر الترابي وخط بارليف، فالأول مجرد جزء وتحصينة واحدة من عدة تحصينات وتعقيدات كانت تجعل عبور القناة عملية مستحيلة على أي مقياس عسكري، لكن عظمة التخطيط وإدارة الحرب من جانب القوات المسلحة المصرية، حولت الحلم لحقيقة.. كل التحية لجيل أكتوبر المجيدة، الذي تحمل المسئولية ودافع عن تراب الوطن، ومنحنا الحرية والكرامة.
التوجيه 41
********
هو عبارة عن كتيب إرشادات تفصيلي وضعه الفريق سعد الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية قبل حرب أكتوبر 1973، ليحدد مهام كل جندي وضابط في عملية العبور واقتحام قناة السويس. ركز هذا التوجيه على توقيتات العبور وتنظيم المجموعات القتالية ومهامها، مما كان سببًا رئيسيًا في نجاح عملية العبور وتكبيد العدو أكبر هزيمة في تاريخه.
تفاصيل حول التوجيه 41:
مصدره: هيئة أركان حرب القوات المسلحة المصرية بقيادة الفريق سعد الشاذلي.
محتواه: كان كتيبًا للإرشادات يوضح مهام كل جندي وضابط خلال عملية العبور، مع تفاصيل دقيقة ومرتبة.
أهدافه:
توضيح المهام القتالية للجنود والضباط.
تحديد توقيتات عبور القادة على كافة المستويات.
تصميم سترة خاصة لكل جندي لحمل الأسلحة والذخائر والألغام.
أهميته:
يعتبر أحد أسباب عظمة عملية العبور ونجاح خطة اقتحام قناة السويس.
تميز بدقة تفاصيله وتنظيمه، مما يوضح عبقرية الشاذلي في التخطيط.
علاقته بخطة الشاذلي: التوجيه 41 هو جزء من خطة “المآذن العالية” التي وضعها الشاذلي، والتي هدفت إلى تدمير خط بارليف الدفاعي.
الكباري المائية
****
حرب أكتوبر 1973، كان “مد الكباري المائية” مصطلحًا يستخدم لوصف عملية إنشاء الجسور فوق قناة السويس، والتي أدت إلى عبور القوات المصرية لخط بارليف والتقدم نحو سيناء. واجهت القوات المصرية صعوبات في مد الجسور بسبب طبيعة التربة الطينية، لكنها نجحت في إنشاء الكباري بفضل استخدام مضخات المياه لتدمير الساتر الترابي وفتح ثغرات لعبور المدرعات والمعديات. كان العبور ناجحًا وسريعًا، حيث استغرق تركيب الكباري 6 ساعات فقط، مما ساهم في تحقيق انتصار حاسم وتدمير أسطورة خط بارليف الحصين.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها وشرطتها وقائدها الوطني المخلص الأمين