في كل حقبة من الزمان، وعبر كل المنعطفات الكبرى التي شهدها العالم، تبقى مصر بعمقها الحضاري وموقعها الجغرافي وثقلها السياسي هي القلب الذي ينبض بالحكمة، والعقل الذي يصيغ التوازن بين الفوضى والاستقرار، ليست مصر دولةً تبحث عن دور، بل هي الدور ذاته الذي لا يكتمل المشهد الإقليمي بدونه، وهي الرسالة التي تحملها الأجيال جيلاً بعد جيل: أن تبقى مصر دائمًا في موقع الصدارة، تصنع التاريخ ولا تكتفي بأن تكون شاهدًا عليه.
فمنذ آلاف السنين، حين كانت البشرية تخط أولى حروفها على جدران المعابد في الأقصر وسقارة، كانت مصر تبني قواعد الدولة والنظام والإدارة، لم تعرف الفوضى، ولم تنكسر أمام الغزاة، لأن جذورها ضاربة في عمق الأرض، ولأنها وُجدت لتقود لا لتتبع.
واليوم، تمتد تلك الجذور نفسها في العصر الحديث؛ في مؤسسات الدولة الراسخة، وفي شعبٍ يعرف تمامًا قيمة الوطن، وفي قيادةٍ تضع مصلحة الأمة فوق كل اعتبار.
ففي عالمٍ تتغير فيه التحالفات وتتبدل المصالح، تبقى مصر عنوانًا ثابتًا للاتزان، حين تتعالى أصوات الحرب، تكون مصر هي أول من يدعو إلى السلام، وحين تغيب الرؤية، تكون هي التي تطرح الحلول الواقعية المستندة إلى الحق والمنطق.
تتعامل القاهرة مع الملفات الكبرى بعقل الدولة لا بانفعال اللحظة، وبحكمة التاريخ لا بعجلة المواقف، من فلسطين إلى السودان، ومن ليبيا إلى البحر الأحمر، تؤكد مصر يومًا بعد يوم أنها الضامن الحقيقي لاستقرار الإقليم.
لقد أعاد الرئيس عبد الفتاح السيسي صياغة مفهوم الدور الإقليمي لمصر، لتصبح طرفًا فاعلًا في كل قضية مصيرية تخص العرب والعالم.
في شرم الشيخ، تلتقي أصوات القادة وتُكتب وثائق السلام، وفي القاهرة، تُدار الحوارات وتُبنى التفاهمات، ليست هذه أدوارًا بروتوكولية، بل امتدادٌ لنهجٍ تاريخي جعل من مصر مركزًا للقرار العربي والدولي.
وحين تتحرك القاهرة، يدرك الجميع أن الهدف ليس النفوذ بل حماية الاستقرار وصون الكرامة الإنسانية، وفق مبدأ ثابت: “قوة مصر في اعتدالها، وفي التزامها بالسلام القائم على العدل.”
ويظل جيش مصر العظيم، بما يحمله من عقيدة وطنية راسخة، هو الدرع والسيف الذي يحمي الأرض ويحفظ القرار الوطني المستقل، جيشٌ وُلد من رحم الشعب، يعرف معنى التضحية ويدرك قيمة السلام، لأنه الأكثر إدراكًا لكلفة الحرب.
كما يظل الشعب المصري هو الوقود الحقيقي لمسيرة الدولة، يلتف حول قيادته بإيمانٍ عميق بأن مصر لا يمكن أن تنكسر، وأن ما تمرّ به من تحديات إنما هو فصلٌ جديد في ملحمة الصمود الوطني.
ليست مصر دولة الماضي فقط، بل صانعة الغد أيضًا، من مشروعات التنمية الكبرى إلى مبادرات بناء الإنسان، ومن سياسات الإصلاح الاقتصادي إلى دورها في القارة الإفريقية، تمضي مصر بخطى ثابتة نحو المستقبل.
تؤمن أن التنمية والسلام وجهان لعملة واحدة، وأن قوتها الحقيقية تنبع من وحدتها الداخلية وقدرتها على تحويل الأزمات إلى فرص.
إنها مصر… التي كلما ظنّ العالم أن التاريخ تجاوزها، عادت لتكتبه من جديد، مصر التي تحمل في وجدانها رسالة حضارية، وفي مؤسساتها دولة قوية، وفي قيادتها رؤية صادقة، ومهما تغيّرت خرائط السياسة أو تبدّلت موازين القوة، تبقى الحقيقة راسخة: “أن مصر دائمًا تصنع التاريخ، وتحمي الإنسانية من أن تفقد بوصلتها”.