ياسمين رجب يكتب | السوشيال ميديا.. أداة حماية أم تزييف؟

0

‌لم يعد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي مجرد مساحة للترفيه أو تبادل الصور والآراء الشخصية، بل تحوّلت إلى ساحة
‌معركة حقيقية لتشكيل الوعي الجمعي للشعوب. في العقد الأخير، أصبح المواطن العادي يطالع الأخبار من هاتفه قبل أن
‌تصل إلى القنوات أو الصحف، وأحيانًا لا تصل إلى هذه المنصات التقليدية إلا بعد أن تكون قد انتشرت عبر “السوشيال
‌ميديا”. هذه النقلة النوعية طرحت سؤالًا محوريًا: هل صارت هذه المنصات سلاحًا لحماية الشعوب من التضليل، أم
أنها نفسها أصبحت أداة تزييف للوعي؟
‌من أبرز الأمثلة الحديثة على خطورة وتأثير السوشيال ميديا، اعتراف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين
‌نتنياهو بنفسه أن المعركة الأهم اليوم تُخاض على هذه المنصات، وأن السيطرة على الرأي العام العالمي لا تتم عبر
‌الدبابات والطائرات فقط، بل عبر المحتوى المنشور على “تويتر” و”تيك توك” و”إنستغرام”. هذا التصريح يعكس
‌إدراك الأنظمة والحكومات أن كسب العقول لا يقل أهمية عن كسب الأرض.
‌لكن على الجانب الآخر، أثبتت التجارب أن هذه الأدوات يمكن أن تكون صوتًا للضحايا والمظلومين. ما حدث في
‌فلسطين خير مثال؛ فبينما حاولت بعض وسائل الإعلام العالمية طمس صورة الحقيقة أو تجميلها، كان لمقاطع الفيديو
‌المباشرة من قلب غزة أثر هائل في نقل المأساة للعالم، وكسر محاولات التضليل. آلاف المؤثرين حول العالم تبنوا
‌القضية، وأعادوا نشر الحقائق بالصوت والصورة، مما جعل الشعوب أقرب إلى فهم الواقع بعيدًا عن الخطاب الرسمي
‌المنحاز.
‌الأمر لا يقتصر على الصراع الفلسطيني فقط، بل يمتد إلى قضايا عالمية مثل التغير المناخي، الأزمات الاقتصادية،
‌وحتى الكوارث الطبيعية كسد النهضة وأثره على مصر والسودان. المعلومات المتداولة على السوشيال ميديا قد تكون
‌وسيلة إنقاذ سريعة، لكنها في الوقت نفسه قد تتحول إلى مصدر للشائعات والفوضى إذا لم تُفلتر بعين ناقدة وواعية.
‌المعضلة الحقيقية تكمن في أن السوشيال ميديا لا تخضع لقواعد صارمة كالصحافة التقليدية، بل هي فضاء مفتوح يسمح
‌لأي شخص أن ينشر ما يشاء دون تحقق مسبق. وهنا تظهر أهمية ما يُعرف بالوعي الرقمي، أي قدرة الفرد على
‌التمييز بين الحقيقة والزيف، بين الخبر الموثوق والإشاعة. فالمسؤولية لم تعد تقع فقط على المؤسسات الإعلامية، بل
‌أصبحت في يد كل مستخدم يحمل هاتفًا ذكيًا.
‌إن مستقبل الشعوب لم يعد يُرسم في غرف السياسة المغلقة وحدها، بل يُصنع أيضًا على شاشات صغيرة بين أيدينا.
‌ومهما كان الهدف من هذه المنصات، فإن المستخدم هو العنصر الحاسم: إما أن يكون مشاركًا في بناء وعي حقيقي
‌يحمي مجتمعه، أو أداة بيد من يسعى لتزييف إدراكه.

‌الخلاصة أن السوشيال ميديا سلاح ذو حدين؛ إما أن تستخدم كجسر للتواصل والتوعية والدفاع عن قضايا الشعوب، أو
‌أن تتحول إلى فخّ للتضليل والسيطرة على العقول. والمسؤولية الأولى تقع علينا نحن: أن نتعلم كيف نستخدم هذا السلاح
‌بحكمة، وأن ندرك أن الوعي هو خط الدفاع الأول عن الأوطان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.