أسامه عزيز كيرلس يكتب | الشهيد جرجس صادق كيرلس
في كل عام ومع حلول ذكرى نصر أكتوبر المجيد، تعود الذاكرة لتستحضر أبطالًا قدموا حياتهم فداءً للوطن. ومن بين هؤلاء الأبطال، يظل اسم الشهيد جرجس صادق كيرلس، ابن قرية النزلة التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، حاضرًا في قلوبنا وعقولنا. هو ليس مجرد شهيد من شهداء مصر، بل هو ابن عمي البطل، الذي ضحى بروحه الطاهرة ليكتب بدمائه ملحمة من الشرف والفداء.
وُلد الشهيد جرجس صادق كيرلس في قرية النزلة، تلك القرية الريفية التي طالما خرج منها أبناء أوفياء للوطن. هناك، حيث البساطة والنقاء، تربى على حب الأرض والانتماء لمصر. كان شابًا خلوقًا محبوبًا بين أهل قريته، يحمل في قلبه صفات الشهامة والجدعنة التي تميز أبناء الريف المصري.
مع تصاعد التحديات قبل حرب أكتوبر، التحق جرجس صادق كيرلس بصفوف القوات المسلحة المصرية. لم يتردد لحظة واحدة، بل حمل سلاحه بإيمان راسخ بأن مصر تستحق التضحية. كان يعلم أن الطريق محفوف بالمخاطر، لكنه آمن أن الاستشهاد في سبيل الوطن أشرف غاية يمكن أن يبلغها الإنسان.
جاء يوم السادس من أكتوبر 1973، اليوم الذي غيّر وجه التاريخ، ليكون الشهيد جرجس في مقدمة الصفوف. عبر القناة مع زملائه متحديًا الخوف والموت، مشاركًا في تحطيم خط بارليف، رمز الغرور الصهيوني. قاتل ببسالة حتى ارتقى شهيدًا في ميدان الشرف، لتظل دماؤه جزءًا من الأرض التي تحررت، وشاهدة على أن النصر لا يولد إلا من رحم التضحية.
رغم أن جسده لم يعد إلى قريته، إلا أن اسمه ظل محفورًا في ذاكرة النزلة كلها. لم يفقده أهله وأقاربه وحدهم، بل شعر كل أبناء القرية أن لهم ابنًا بطلًا بين شهداء أكتوبر. يتناقل أهل القرية سيرته من جيل إلى جيل، ليتعلم الصغار أن التضحية من أجل الوطن هي أعظم وسام يمكن أن يحمله الإنسان.
استشهاد ابن عمي لم يكن مجرد حادثة عابرة في تاريخ أسرة أو قرية، بل كان جزءًا من قصة وطن بأكمله. مصر كلها تفخر بأبنائها الذين ضحوا بأرواحهم من أجل رفع رايتها عالية. وجرجس واحد من هؤلاء الذين كتبوا بدمائهم ملحمة النصر، التي ستظل الأجيال ترويها بفخر واعتزاز.
البطل جرجس صادق كيرلس هو رسالة حية لكل شاب مصري، بأن حب الوطن لا يكون بالشعارات، بل بالفعل والتضحية. دماؤه الطاهرة كانت جسرًا عبرت به مصر من الهزيمة إلى النصر، ومن الانكسار إلى الكرامة. وسيظل اسمه محفورًا في وجداننا، وفي تاريخ قريته النزلة، وفي سجل الشرف العسكري لجمهورية مصر العربية.