محمد فؤاد البري يكتب | أمد الحياة وفلسفة الموت

0

أمد الحياة وفلسفة الموت‌‌
محمد فؤاد البري‌‌
في عرض عسكري مخيف ومهيب استعرضت القوتين الروسية والصينية قوتهم‌‌
النووية أمام العالم، ووفقًا لمحادثة التقطها ميكروفون مفتوح أثناء العرض في‌‌
سبتمبر ‌‌2025‌‌، ناقش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم الصين شي جين بينغ‌‌
إمكانية إطالة عمر الإنسان إلى ‌‌150‌‌ عامًا أو أكثر، من خلال التقدم في التكنولوجيا‌‌
الحيوية..
هل ممكن للعلم في المستقبل أن يتحكم في عمر الانسان؟
ناقشت العديد من الروايات وأفلام الخيال العلمي الأمريكية هذه المسألة كثيراً ولكن‌‌
لأول مرة يناقشها رؤساء دول عملاقة بحجم روسيا والصين بشكل يبدو أنه يمكن أن‌‌
يصبح الخيال العلمي حقيقة علمية، فمعظم الاكتشافات والاختراعات التي تنعم بها‌‌
البشرية اليوم بدأت بفكرة جنونية ثم أصبحت حقيقة!
بلغ متوسط العمر المتوقع في العالم حالياً ‌‌73‌‌ عاماً، وتعيش النساء أكثر من الرجال‌‌
بصفة عامة حيث يبلغ متوسط العمر عند النساء حوالي ‌‌75.6‌‌ عاما، وللرجال يبلغ ‌‌70.8‌‌
عاماً، ولا أحد يعرف تفسير علمي لذلك ربما لأن الحزن يقتل الرجل ولا يقتل المرأة‌‌
ولذلك إذا بكت المرأة استراحت، وإذا بكي الرجل مات!
إن الأمد العمري لا شك أنه ارتفع في كثير من الدول مقارنة بالقرن الماضي.. ورغم ذلك‌‌
مازال هناك فجوة بين الدول فمتوسط الحياة للإنسان في دول أفريقيا جنوب‌‌
الصحراء مثلا ‌‌57‌‌ عام – وهو أقل بكثير عن المتوسط العالمي – بينما في الدول‌‌
الاسكندفانية حوالي ‌‌83‌‌عام وهي أعلي من المتوسط بعشرة أعوام.. هل المناخ الحار‌‌
يقصر عمر الانسان في حين يطيل الجليد حياة الانسان؟
وفي اليابان نحو ‌‌100‌‌ ألف نسمة تجاوزت أعمارهم المائة سنة! حيث أصبحت‌‌
الشيخوخة أزمة في اليابان مقابل تناقص عدد الشباب، بالطبع ليس برودة الطقس‌‌
سبباً كافيا، فجودة الحياة والتقدم الطبي سبب مهم في هذا الصدد..

ورغم ذلك نسبة الانتحار مرتفعة في الدول الباردة مقارنة بالدول الحارة، ففي الوقت‌‌
الذي يبحث فيه العلم من خلال تجاربه لإطالة عمر الانسان يبحث الآخرون عن كيفية‌‌
التخلص من حياتهم! حيث جاءت كندا في المرتبة الأولي عالمياً ربما النظرة التشاؤمية‌‌
للحياة بحثاً عن سؤال فلسفي عدمي سببا مهما في الانتحار، رغم الترف المادي الا انه‌‌
يفتقر للإيمان بالله واليوم الآخر ، فما قيمة الحياة عندهم إن كانت تنتهي بالموت‌‌
الأبدي ؟
وفي البلاد الشرقية ولا سيما المنطقة العربية لا تهتم بتلك المسائل المتعلقة بالموت من‌‌
الناحية العلمية فهي تتلخص في كلمة واحدة اسمها ” القدر”، ومن يفكر في تلك‌‌
المسألة فقد كفر، وناقش فيلم “قاهر الزمن ” والذي عرض سنة ‌‌1987‌‌ تلك المسألة‌‌
وتعرض لنقد شديد لتعارضه مع الدين، فمن يتحكم في عمر الانسان سوى الله؟!‌‌
ولأن انتظار الموت هو موت يسبق الموت فمن رحمة الله على عباده ألا يخبرهم، ولكن‌‌
هل تكون للحياة معني ان كانت بلا موت؟
كم ستكون الحياة مريعة ومؤلمة إذا كانت بلا نهاية. فعندما يستنفد اختبار الحياة‌‌
الصعب والشاق لهب الشباب المتقد، وعندما تغمرنا البرودة والظلمة والقبح، فلا يوجد‌‌
سوى الموت علاجا لهذا الموقف. انه الموت الذي يواري قامتنا المحنية ووجوهنا‌‌
المجعدة وأجسادنا الواهنة المثقلة بالحزن في مثواها الأخير..‌‌
ونظرياً لا اعرف كيف ستكون الحياة في الآخرة وهي بلا نهاية؟! كيف ستكسر ملل‌‌
التكرار وأي ذاكرة تقوي على حفظ ذكريات بلا نهاية ربما ستكون لها قانونها الخاص..‌‌
وكما يقول احمد خالد توفيق لو عاش الانسان أكثر من مائتي عام لجن من فرط‌‌
الحنين إلى أشياء لم يعد لها مكان، ولكن كيف عاش نوح ‌‌950‌‌ سنة وكيف عاش‌‌
الانسان القديم فترات طويلة رغم بدائية الحياة؟
والحقيقة ان الانسان القديم لن يعيش قرونا كما هو شائع عند البعض، فأشهر مقبرة‌‌
اكتشفت في التاريخ كانت لملك مصري سنة ‌‌1922‌‌ “توت عنخ امون ” ومات ولم‌‌
يتجاوز عمره ‌‌18‌‌ عاماً والاسكندر الأكبر أشهر محارب في التاريخ الذي غزا العالم توفي‌‌
عن عمر يناهز ‌‌32‌‌ عاما فقط وكذلك المسيح، ومات النبي محمد وأصحابه أبو بكر وعمر‌‌
بن الخطاب والامام علي بن ابي طالب في سن ‌‌63‌‌ عام فقط، فالإنسان هو الانسان في‌‌
كل العصور ولا يوحد زمن يعيش فيه الانسان مئات السنين قط.
في حين من يستشهد بنوح قد يكون استثناء لكن لم يعيش إنسان كل هذه المدة‌‌
ويفسر بعض العلماء ان نوح عاش مثل أي انسان طبيعي فالتقويم الزمني في عصر‌‌
الطوفان كان مختلف وربما السنة في زمن الطوفان هي الشهر بالتقويم الحالي وإذا‌‌
قمنا بحساب ‌‌950‌‌ شهر عمر نوح عليه السلام يصبح عمره مثل الانسان الطبيعي ‌‌79,1‌‌
سنة‌‌
في حين عمر النبي موسي واقعي بعض الشيء مات وعمره ‌‌120‌‌ عاما ولذلك فاليهود‌‌
في أعياد الميلاد يقولون: عقبال مائة وعشرين عاما وعدد أعضاء الكنيست ‌‌120‌‌.، فمن‌‌
الممكن أن يصل عمر الانسان ويمتد لعقدين بعد المائة ويكون حالات استثنائية جدا‌‌
وليست القاعدة لكن أن يصل لألف سنة شيء ضد طبيعة الحياة الدنيا!‌‌
وعندما ظهر في جبال الأورال السوفيتية ‌‌1946‌‌ رجل زاد علي مائة وخمسين عام‌‌
سألوه.. ما السر؟
قال: الزبادي؟
سألوه : كم مره في اليوم‌‌
قال : مره واحده وبعسل النحل‌‌
قالوا : فقط؟
قال : والنوم مع الغروب واليقظة مع الشروق !
قالوا : فقط ؟
قال : لا خمر !
قالوا : فقط ؟‌‌
قال ولا دخان !
سالوا : فقط‌‌
قال وزوجة واحدة !
سألوه : ولو ماتت ؟
قال : حتي لو ماتت‌‌
سالوا والأولاد؟
قال : يسكنوا معي في نفس البيت فضوضاء الأطفال تطيل العمر والنوم علي الأرض‌‌
والسير علي الاقدام والامتناع عن كل أنواع اللحوم وعن الدهن والملح والسكر‌‌
والابتعاد عن الطبيب والمستشفى فالله خلق الداء هو خلق الدواء ..والداء هو الطعام‌‌
والدواء هو الطعام أيضا ..
وقال الفيلسوف الألماني “هيجل” أن الرومان كانوا أصح الناس جسماً ، ولكنهم أقصر‌‌
الناس عمراً.. وكان الاغريق أصح الناس عقلاً واطول الناس عمراً.. فحياة الجسم من‌‌
حياة العقل فالعمر يطول ويقصر هنا في دماغك!‌‌
ولكن في النهاية هل نموت فعلا للأبد؟؟ وهذا السؤال الفلسفي عن الفرق بين الموت‌‌
والوفاة.
.‌‌ ‌‌الكل خائف من الموت.. مع أنه لا موت.. فكل شيء يموت ليولد من جديد.. الحيوان‌‌
يتوالد منه الحيوان.. البذور تلد البذور.. لا شيء يفنى.. والانسان يموت ليعيش في‌‌
حياة أخرى.. وكل حياة جديدة تقوم بتطَويره وتعديله.. ولكنه لا يموت.. فكل شيء‌‌
يذهب ليعود، يعيش ليموت ليعيش ليموت ليعيش.. إلى آخر أشكال التصوف الهندي..‌‌
أختتم مقالي بقول الشاعر محمود درويش:
أَيُّها الموت انتظر! حتى أُعِدَّ
حقيبتي، فرشاةَ أسناني، وصابوني
وقطعة الخبز، والقهوة، والثيابَ.
هل المناخُ هُنَاكَ مُعْتَدِلٌ؟ وهل
تتبدَّلُ الأحوالُ في الأبدية البيضاء،
أم تبقى كما هِي في الخريف وفي
الشتاء؟ وهل كتابٌ واحدٌ يكفي
لِتَسْلِيَتي مع اللاَّ وقتِ، أمْ أَحتاجُ
مكتبةً؟ وما لُغَةُ الحديث هناك،
دارجةٌ لكُلِّ الناس أَم عربيّةٌ فُصْحى..
ويا مَوْتُ انتظرْ، ياموتُ..
حتى أستعيدَ صفاءَ ذِهْني في الربيع
وصحّتي، لتكون صيَّاداً شريفاً لا
يَصيدُ الظَّبْيَ قرب النبع.. فلتكنِ العلاقةُ
بيننا وُدّيَّةً وصريحةً: لَكَ أنَتَ
مالَكَ من حياتي حين أَملأُها..
ولي منك التأمُّلُ في الكواكب
لم يَمُتْ أَحَدٌ تماماً، تلك أَرواحٌ
تغيِّر شَكْلَها ومُقَامَها

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.