د.أميرة الطاهر  تكتب | موسم الحصاد

0

لم يعد ما نشهده مؤخرًا من تفشّي العنف والتحرش بين فئات عمرية صغيرة أمرًا مفاجئًا؛ فهذه السلوكيات هي حصاد لسنوات من الدراما الهابطة التي استُخدمت كأداة من أدوات الجيل الرابع من الحروب. فقد استهدفت هذه الدراما القيم المصرية الراسخة منذ آلاف السنين، وأعادت تشكيل القدوة، فوضعت البلطجي وتاجر المخدرات والآثار في موقع “النموذج” الذي يمتلك السيطرة والنفوذ، بينما تُقصي صاحب الاجتهاد والأخلاق الذي لا ينال إلا المشقة وضيق الحال.
صعد في الوقت نفسه المحتوى الهابط على منصات التواصل الاجتماعي، ليصبح أداة سريعة للشهرة والربح، دون أي اعتبار لتأثيره على وعي الشباب وسلوكهم.
لقد كرّست كثير من الأعمال الدرامية خلال العقدين الأخيرين رؤية مفادها أن القانون غير عادل، وأن أخذ الحق باليد هو السبيل لاستعادة الكرامة، وأن الأخلاق والاجتهاد لا يجلبان إلا المعاناة. ومع هذا التحوّل، تغيّرت القدوة والنموذج لدى كثير من الشباب؛ فلم يعد النموذج هو المتعلم المنضبط، بل تحوّل إلى الخارج عن القانون الذي يفرض نفوذه بالقوة ويصل إلى ما يريد بالعنف والتحايل، مما أحدث خللًا عميقًا في منظومة القيم داخل المجتمع. تغيّرت طبيعة الحروب، ولم تعد الأسلحة التقليدية الأدوات الأكثر فاعلية كما كانت. اليوم تتصدّر الحرب النفسية والأخلاقية والقيمية المشهد، ويتضاعف أثرها بما يفوق نتائج الحروب الميدانية، مما يجعل إصلاح الوعي وصيانة القيم ضرورة أمن قومي لا مجرد احتياج ثقافي.
لذا فالمجتمع المصري اليوم في أمسّ الحاجة إلى دراما اجتماعية راقية تستعيد دورها في البناء لا الهدم، وتعيد إحياء قيم الترابط الأسري، وتؤكد الأخلاق والمسؤولية، وتُعزّز الثقة في مؤسسات العدالة. نحن بحاجة إلى محتوى يجمع أفراد الأسرة حول الشاشة، ويقدّم نموذجًا حقيقيًا للنجاح قائمًا على العمل والضمير، لا على العنف أو التحايل. نحتاج الى رقابة حقيقية على مضمون الاعمال الدرامية ومواقع التواصل الاجتماعي، واتخاذ خطوات فاعلة نحو تحجيم هذا العبث الدرامي
إنه موسم حصاد… وما نحتاجه اليوم هو زرع جديد يؤسس لوعي أنضج وقيم أقوى، ودراما تليق بتاريخ هذا الوطن وهويته. وقد بدأت بالفعل خطوات تمهيد التربة وغرس البذور لهذا الزرع الجديد، لكنه ما زال يحتاج إلى جهود متواصلة ليؤتي ثماره.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.