إيمان ممتاز تكتب | عنف المدارس

0

عنف المدارس لم يعد مجرد سلوك فردي بل أصبح ظاهرة تتداخل فيها العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية، ما يجعل التعامل معها مسؤولية مشتركة تتوزع بين الأسرة والمؤسسة التعليمية والدولة. فالسلوك العنيف داخل المدرسة هو انعكاس مباشر لطبيعة البيئة التي ينشأ فيها الطفل، ولجودة السياسات العامة التي يفترض أن تحميه.
تبدأ مسؤولية الأسرة قبل أي طرف آخر، فهي البيئة الأولى التي يتشكل فيها وعي الطفل وانفعالاته وأنماط تعامله مع الغضب والصراع. فالأساليب التربوية القاسية تترك أثرًا مباشرًا في ظهور السلوك العدواني لاحقًا، كما أن مشاهدة الطفل لنماذج من الصراخ أو العنف داخل المنزل تجعله ينقل هذا السلوك إلى المدرسة دون وعي. وحتى غياب التواصل الأسري أو الإشراف على البيئة الرقمية يمكن أن يخلق طفلاً مندفعًا، خائفًا، أو متأثرًا بمحتوى عدائي يغذّي السلوك العدواني في المدرسة. إن وجود علاقة جيدة و حوار يومي داخل الأسرة هو خط الدفاع الأول ضد العنف.
أما المدرسة، فهي مساحة اجتماعية يتعلم فيها الطفل كيف يتفاعل، وكيف يفرض حدوده، وكيف يدير خلافاته. لكن حين تفتقر المدرسة إلى مناخ نفسي صحي، أو تُدار بسياسات قائمة على العقاب فقط، أو ينعدم فيها وجود أخصائي نفسي ، تتحول البيئة المدرسية إلى أرض خصبة لانتشار العنف. كما أن ضعف تدريب المعلمين على التعامل مع الأطفال والمراهقين يسهم دون قصد في تصعيد التوتر داخل الفصول، بينما يعد غياب برامج تعديل السلوك والمساندة النفسية فجوة أساسية في أي مؤسسة تعليمية.
ومن هنا يبدأ دور الدولة، فهي الطرف القادر على تحويل الجهود الفردية إلى منظومة حماية متكاملة. تبدأ مسؤوليتها حين تعجز البيئة المدرسية عن حماية الأطفال أو حين تغيب التشريعات الرادعة والسليمة. فوجود قوانين واضحة تمنع العنف، وتمويل حقيقي لتعيين كوادر نفسية مؤهلة، وآليات مراقبة ومتابعة للمدارس هو أساس أي إصلاح. كما يجب أن تكون الدولة شريكًا في التوعية المجتمعية، فالصحة النفسية للطفل قضية عامة ترتبط بوعي المجتمع وسياساته.
العنف في المدارس نتيجة تفاعل ثلاثي بين أسرة ربما تكون مضطربة أو غائبة، ومدرسة غير مؤهلة للاحتواء والإدارة، وسياسات عامة لا تمنح الطفولة ما تستحق من حماية ورعاية. أي محاولة لإصلاح هذا الواقع لن تنجح إذا اكتفت بلوم الأطفال أو معاقبتهم، بل يجب أن تعتمد على رؤية شاملة تعيد للأسرة دورها التربوي، وللمدرسة دورها في بناء شخصية الطفل، وللدولة مسؤوليتها في وضع سياسات واقعية تحمي الأجيال القادمة.
إن تحسين مناخ المدارس يبدأ من الداخل، لكنه لا يكتمل إلا بتكامل الأدوار. فعندما تتعاون الأسرة والمدرسة والدولة، يصبح من الممكن تحويل المدرسة إلى بيئة آمنة تعزز ثقة الطفل بنفسه، وتنمّي مهاراته، وتكسر دائرة العنف من جذورها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.