تُعرَّف الثقافة السياسية بأنها تركيبة من المعارف والآراء والتصورات والتوجهات الخاصة بالشئون السياسية والحكومية، وتشمل منظومة من القيم والمعتقدات السياسية الأساسية التي تميز كل مجتمع عن الآخر. لذا تعد جزءاً من الثقافة العامة في المجتمع.
وفقاً لرؤية العالمان السياسيان “غاربيل ألموند” و “سيدني فيربا” اللذان يعدان من أبرز رواد الثقافة السياسية المعاصرة، حيث تعددت أنواع الثقافة السياسية فقاما بتقسيمها إلى ثلاثة أنواع رئيسية بناءً على دراسات مقارنة بين عدة دول، في كتابهما “الثقافة المدنية” عام ١٩٦٣م، وهذه الأنواع هي:
• النوع الأول: الثقافة السياسية التقليدية.
• النوع الثاني: الثقافة السياسية المشاركة.
• النوع الثالث: الثقافة السياسية التابعة.
مما لا شك فيه إن النشء مستقبل الوطن، ومن ثم يجب على المجتمع رعايتهم وغرس القيم والمبادئ السياسية لديهم منذ الصغر مما يسهم في بناء شخصيتهم ويساعدهم على المشاركة في بناء المجتمع بشكل إيجابي بالإضافة إلى دور المدرسة في تكوين شخصية النشء بالتوازي مع الأسرة في التنشئة فالعلاقة بينهما علاقة تابعية فدور المدرسة يتجاوز التعليم الأكاديمي إلى التربية الشاملة، وتوفير بيئة تعليمية داعمة ومحفزة.
تلعب الثقافة السياسية دوراً محورياً في بناء الفرد والمجتمع في آن واحد، وزيادة الوعي السياسي والتعزيز من المشاركة السياسية في مختلف المجالات.
ومن هذا المنطلق أقترح إدراجها في المناهج الدراسية للنشء وجعلها مقرر دراسي قائماً بذاته على الجانبي النظري والعملي في كل المراحل التعليمية الأولى بما في ذلك المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية والمرحلة الثانوية بهدف إخراج جيل واعٍ، ومثقف سياسياً قادراً على المشاركة الفعّالة في الحياة السياسية، وقادراً على اتخاذ القرار السليم، ومؤهلاً لتمثيل مجتمعه والاختيار الصائب لمن يمثله، والتعبير عن الرأي والالتزام الوطني، علاوة على نبذ التطرف والإرهاب الفكري، وفهمه لحقوقه ومعرفته بواجباته.
على أن تبدأ تلك المقررات الدراسية المقترحة بتعريف الطفل في المراحل الابتدائية ببلده، والنظام السياسي بشكل مبسط، وفهم حقوقه وواجباته الأساسية، ثم تُقدم المفاهيم السياسية بشكل أوسع في المراحل التالية .
بهدف الوصول بالطالب إلى المرحلة الجامعية وهو شاب واعٍ ومؤهل للمشاركة في الحياة السياسية، كما يمكن دعم الجانب النظري بمشاركات عملية، لتمكين الطلاب من المشاركة الفعّالة في الحياة السياسية منذ الصغر.
ومن التوصيات والمقترحات لإدراج الثقافة السياسية في المناهج الدراسية المصرية:
١- برلمان مدرسي مصغر: إنشاء برلمان مدرسي مُصغر يحاكي البرلمان المصري يلعب فيه الطلاب أدوارهم السياسية كما يجب لتأهيلهم والتدريب على لعب هذا الدور في المستقبل.
2- الفعاليات السياسية: مساهمة الطلاب بشكل رئيسي ودوري ومكثف في حضور الفعاليات السياسية مباشرة وتشكيل دوراً لهم في ذلك بعد عمل اختبارات لاختيار الطلاب المتميزين تحت مسمى (طلائع سياسية).
3- الزيارات السياسية: القيام بعمل زيارات تبادلية بين أعضاء مجلس النواب والشيوخ وبين الطلاب.
4- منصة وطنية إلكترونية: إنشاء منصة خاصة بالطلاب تتيح لهم المشاركة الإلكترونية الفعالة وتتيح لهم التعبير عن آرائهم بحرية، والتواصل الفعّال مع ذوي الخبرات السياسية.
5- الوعي السياسي لدى المُعلم: تعزيز الوعي السياسي لدي المُعلم عن طريق إخضاعه لبرامج تدريبية تأهيلية تمكنه من القيام بتدريس وشرح هذه المناهج بشكل علمي ودوري.
6- مشاركة وتعاون مؤسسات الدولة: يجب على مؤسسات الدولة التكاتف مع بعضها البعض لتطوير المنظومة التعليمية من الناحية السياسية.
7- دورات تدريبية سياسية: إنشاء دورات تدريبية سياسية تهدف إلى تغذية عقول الطلاب بالسياسة في كل المراحل الدراسية.
8- المناظرات السياسية: الحرص على إقامة مناظرات سياسية طلابية حول قضايا سياسية بعينها تهدف إلى تدريب الطلاب على التعبير عن آرائهم بحرية وتدريبهم على التحدث أمام الجمهور مما يكسبهم ثقة بأنفسهم وقوة في الشخصية.
9- انتخابات الاتحادات الطلابية: يجب أن تفعل انتخابات الاتحادات الطلابية بشكل يضاهي الانتخابات البرلمانية المصرية أو كنموذج مصغر للبرلمان المصري بشكل عملي حتى يخرج جيلاً قادراً على المشاركة البرلمانية بيسر وسهولة.
10- المعلومات السياسية في مقررات دراسية: يمكن تدشين بعض المعلومات السياسية وإدراجها في بعض المواد الدراسية التي تحتمل ذلك، على سبيل المثال: مادة التربية الوطنية، ومادة الدراسات الاجتماعية.
11- الكتب السياسية في المكتبات المدرسية: ضرورة توفير الكتب السياسية ورقياً، وإتاحتها للطلاب على مدار العام، وعلى المنصة الوطنية الخاصة بالطلاب، وتيسير استعارتها.
وختاماً، علينا جميعاً أن نعي جيداً أهمية إدراج الثقافة السياسية في المناهج الدراسية لبناء وطن قائم على دعائم سياسية قوية، وجيل مثقف وواعٍ سياسياً، مع ضرورة تطوير المنظومة التعليمية قلباً وقالباً سياسياً مما ينعكس على بناء وطن ديمقراطي قوي البنيان.