إبراهيم الشهابي يكتب | ميليشيات الحرب الباردة وأغبياء الحرب

0 1,453

نحن في عالم يواجه مخاطر مُحدقة ووجودية .. وتلك المخاطر ليست وليدة اللحظة .. وأنما هي امتداد لعشرين عامًا أختل فيها توازن القوى العالمي .. مما أدى الى اختلالات في بنية المصالح الدولية .. هناك دول تسعى الى مساحات تتناسب مع صعودها .. وأخرى تريد تصفية ملفات مازالت مفتوحة منذ انتهاء الحرب الباردة .. وهناك القوة المهيمنة التي تأخذ خطوات استباقية لإحتواء صعود القوى المنافسة.

خلال العقدين الماضيين انفجرت 6 حروب عسكرية في أفغانستان والعراق وجورجيا وقزغيزيا وليبيا وأخيراً أوكرانيا .. تخلل تلك الصراعات العسكرية حالات عدم استقرار جيوسياسي ضخمة في شرق أوروبا والشرق الأوسط ووسط آسيا.
شهدت العشر سنوات الأخيرة أضخم حالة حشد عسكري منذ الحرب العالمية الثانية وخاصة في مناطق التماس الاستراتيجي، وأكبر عدد من المناورات العسكرية والاحتكاكات المسلحة والقتل بسبب الانفلات الأمني المتزايد في كثير من مناطق النزاع .. كما توسع دور الميليشيات الإرهابية والجهوية بدوافع استخبارية مما أعاد نمط الحرب بالوكالة بطريقة اعقد مما كان يتم خلال الحرب الباردة .. إذ وقت الحرب الباردة كان الصراع بين طرفين يسعى كل منهما الى الحلول مكان الآخر وكسب المزيد من الحلفاء .. لكن في القرن الحادي والعشرين باتت هناك قوى تسعى لتخريب أقاليم بالكامل حتى لا يستثمر فيها المنافسون .
العابثون هنا وهناك لم يدركوا أنهم غير قادرين بمفردهم على حماية أمنهم .. وأن بنية الدول التي يتشكل منها المجتمع الدولي هي حالة متكاملة .. فلا تستطيع لا أمريكا ولا الصين ولا روسيا حماية امنها وهيكلها المؤسسي دون وجود نطاق مباشر واخر إقليمي وبعد دولي متناغم ومنسجم وحتى متساند، إذ نحن في عالم تتصارع فيه القوى على خريطة باتت تختفى فيها دول وتنهار فيها نظريات أمن الدول بشكل مرعب.
لذلك فإن الجاري اليوم في حالة الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا ليست كل الحالة .. ولن تنحل المشكلة بإنتهاء الصراع العسكري .. وإنما بالنظر الى مسببات المشكلة ونزع فتيلها .. فمسائل الحوار الجيوسياسي والاستراتيجي تحتاج الى تفاعل دولي ضخم وكبير .. يستهدف إيقاف حالة النزاع الجيوسياسي والبدء فوراً في عمليات إعادة اعمار حقيقية وفاعلة .. وفض الاشتباكات الجارية في كل شبر في العالم .
إن توسيع مساحات الحياد الإيجابي أهم مراحل تفكيك حالة الحشد والحشد المضاد أممياً … ومصالح الدول يجب أن تخضع لترتيبات توازن التنمية وليس توازن القوى العسكرية .. ويجب في هذه اللحظة التاريخية .. أن ندرك جميعاً أن الاصطفافات المصطنعة لن تحل الازمات .. وأن الحصار المبالغ فيه لن ينهى الازمة .. ولعل التاريخ الأوروبي يذكرنا أن العقوبات والحصار عادة يؤدى الى مزيد من حروب اليأس والدمار والانتقام .
هذا فيما يتعلق بمجتمع الدول .. فماذا عن المجتمع المدني؟ .. فيما يتعلق بالمجتمع المدني فتلك مشكلة أخرى .. فإن حالات الاصطفاف المصطنع على أرضية عدالة القضية لأى طرف .. هي في حقيقتها نوع من أنواع الدعاية الفجة المضحكة .. التي لا تجيدها إلا الكيانات والافراد الذبن تم صناعتهم لهذا الغرض .. فهذه اللحظة التاريخية لا مكان فيها لميليشيات الحرب الباردة ولا لوبيات المواقف المتطرفة ولا أغنياء الحرب الذى تتزاوج مصالحهم مع الفوضى .
تجار القضايا في المجتمع المدني .. أبناء الاحتجاج السياسي والتنطع الايديولجي .. الذين ارتبطت معيشتهم بالفوضى والحرب والنزاع .. أنتم لستم أكثر من ميليشيات سياسية واعلامية .. لا تفرق كثيراً عن المرتزقة الذين يتم شحنهم على الطائرات من كل مكان في العالم .. وصولاً إلى أوكرانيا .. أنتم من تعطون شرعية اجتماعية لأطراف الصراع الذي يستخدم الجميع بالجميع .
تلك اللحظة فقط هي لكل الداعين الى الحوار والتلاقي .. القابلين بالنظر بعيون مفتوحة الى حقائق الأمور .. الرافضين لإنتهاك حقوق الضعفاء .. ليس بالصراخ والعويل والتنديد والرقص على مائدة القوى المتصارعه .. وانما بتأسيس حالة التقاء عاقل أو نقطة حوار في عالم يصارع من أجل البقاء .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.