إيمان حنا تكتب | “صُوفيا”

0 234

“صُوفيا”..مُعظمنا إن لم يَكن جميعنا يعرف هذا الاسم تمام المعرفةِ، إنها الأميرةُ الصغيرة الجميلة إحدى شخصيات “ديزنى لاند” الكارتونية الشهيرة، التى تُقدم نموذجًا ما أحوجنا إليه، نموذج الإنسان الذى يُصر على انتهاج طريق الخير كسبيلِ لا غيره للنَجاة، وبداخله قناعة بأن الشر مهما بلغت قوته فهو إلى زوال..
“صُوفيا”..تلك الفتاة الصغيرة رغم بساطتها وصِغر سنها، إلا أنها استطاعت تحقيق أحلامها وكَسب قلوب الآخرين حتى أعدائها، مُتسلحة بصدق النية والمحبة الخالصة.
ولمَن لم يطلع على قصة تلك الأميرة، فمُلخصها أن “صُوفيا” كانت تعيش فى منزل بسيط مع والدتها السيدة “ميرندا”، التى كانت تعمل فى صناعة الأحذية واشتهرت بإتقانها العمل، وذات يومِ ذهبا سويًا إلى قصر الملك “رولاند” لتصنع له حذاءً خاصاً، ثم أُعجب الملك بـ”ميرندا” وتزوجها.
داخل القصر واجهت “صُوفيا” ـ التى أصبحت بعد ذلك أميرة ـ الكثير من المكائد التى دَبرتها لها الأميرة “آمبر” ابنة الملك، وقابلت “صُوفيا” المعاملة السيئة بتسامح كبير، مُتمسكًة بحسن النية ومحبتها للآخرين؛ حتى استطاعت فى النهاية التَغلب على طاقة شر “آمبر”، بل أصبحتا صديقتين، وهزمتا مخططات “سيدريك” الشريرة، ذلك الساحر الذى حاول إلحاق الأذى بـ”صُوفيا”.
تَبدو القصةُ خيالية تُلائم عالم الطفولة البسيط، لكنك تستطيع أن تتلمس بين ثناياها الكثير مما يحتاجه الكبار فى عالمهم المعقد اليوم..
تَذكرت تفاصيل هذه القصة مُجددًا حينما جمعتنى الظروف ـ لست فى موضع سرد تفاصيلها ـ بطفلة جميلة شكلًا وموضوعًا تحمل الاسم ذاته..”صُوفيا”، لكن أميرتنا الحقيقية لا تقطن قصرًا بل منزلًا بسيطًا زينته روح الرضا غير المشروط، مع جدتها العجوز فى أحد الأحياء الأصيلة بالمحروسة..
“صُوفيا” تَدرس بالمرحلة الابتدائية وبالرغم من مشقة ذلك الطريق بالنسبة لها، وصغر سنها إلا أنها استطاعت الالتحاق بالمدرسة.
تَعشق “صُوفيا” القراءة وتهوى الرسم، وتَجد حديثها مغلفًا برشاقة بنت العشرين؛ ليس هذا فقط ما لفت نظرى، بل أيضًا ما وجدته فى منزلها من ألعاب قد لا تتناسب مع بساطة معيشتها؛ وحينما سألتها عن مصدر تلك الألعاب، أجابتنى بأن هذه ليست ألعابها بل تتشاركها مع أصدقائها من أبناء الجيران الذين تجمعهم بها محبة كبيرة؛ وذيلت إجابتها بعبارة “رغم أن الكثير منهم لم يكن يحبنى فى البداية”! فكان سؤالى التالى لها عن التفاصيل، ومن بين ما ذكرت، التقطت ثلاث كلمات لخصت كل شىء “صَبرت وقَدمت محبة”..
سَردت تلك الأميرة الصغيرة عِدة مواقف جمعتها بصديقاتِ لها، رُبما روت تفاصيلها بذور المحبة بينهن وجعلتها أشجارًا يانعة..
استوقفنى موقف مساندتها لصديقتها المريضة بالسرطان، ورُغم أن “صُوفيا” لا تملك إمكانيات الدعم المادى؛ إلا أن هذا لم يعيقها عن تقديم الدعم المعنوى لصديقتها؛ ما كان له عظيم الأثر فى رحلة علاجها إلى أن تعافت واجتازت المحنة.
كانت المفاجأة بالنسبة لى حينما أبلغتنى”صُوفيا” بقصة صداقتهما، التى حملت كثيرًا من المواقف السيئة فى البداية، لكن “صوفيا” استطاعت أن تنتصر بقوة طاقة الحب داخلها، واعتمادها الخير وصدق النية سبيلًا، فحولت مشاعر صديقتها السلبية تجاهها إلى مشاعر حب وصداقة، بل استطاعت أيضًا أن تُنشئ العديد من الصداقات مع آخرين.
تتمتع “صوفيا” بروح الرضا الذى تلمسه فى ملامح وجهها الوديع وكلماتها..لم تتحدث عن المحبة والتسامح بل مارستهما..”صوفيا” لديها حلم تجتهد لتحقيقه، أن تستكمل دراستها وتصبح مُعلمة.
تَداخلت مشاهد قصة أميرة ديزنى لاند مع مشاهد قصة “صوفيا”، البنت المصرية الحقيقية الأصيلة..فأيقنت أن الخيال أحيانًا يكون أقل جمالًا من الواقع.
وبعيدًا عن عبوات “البُغض” الناسفة للروابط الإنسانية، التى يحاول البعض زرعها فى النفوس، وبائعى جرعات اليأس والطاقة السلبية على مواقع التواصل الاجتماعى، ظنًا أن بإمكانهم ضخها فى شريان المواطن المصرى الأصيل..فإن أرضنا طيبة لا تقبل مثل تلك الجرعات السامة، وقلوب المصريين عامرة بطاقات الحب التى لا تنضب؛ فالإنسان قد جُبل على الحُب، والإصرار مكون أساسى ضمن تكوين الفراعنة، إلى جانب العديد من القيم الإنسانية التى إن تاه البعض عنها، إلا أنها ستبقى مكونًا أساسيًا وعلامة مميزة للمصريين.
تُمثل مُبادرة “أخلاقنا الجميلة”، التى غردت بها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية خارج السرب، شريانًا جديدًا لتجديد دماء جسد المجتمع المصرى بكل القيم الحميدة التى حضت عليها الأديان السماوية، وإعادتنا للجذور، وإفشال محاولات إذابتنا وخلق جيل يجهل هويته القيمية.
عَزيزتى”صوفيا”..لقد أخجلتينى حينما التقيتك؛ فظننت أننى سأقدم لك شيئًا يفيدك، فإذ بك تقدمين لى الكَثير..
نَعم..إننا جميعًا نحتاج روح صوفيا بأناقتها وقوة إصرارها على تحقيق أحلامها..تلك الروح التى عَبَدت طريق وصولها إلى قلوب الآخرين، مُتسلحًة بإيمانها بقوة الحب والخير وسخاء العطاء

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.