إيمان موسى تكتب | السياسة العامة للحكومة .. رسالة طمأنينة

0 291

لا شك أن مرحلة ترتيب الأولويات، أو وضع الاجندة، تعد المرحلة الأهم في مراحل صنع السياسات العامة لأي حكومة في العالم، فالتوصيف الكفء لمشكلات الدولة، والتنفيذ الفعال، يؤديان بالضرورة إلى تحقيق العائد المطلوب. ومن المستحيل أن تستطيع أي سلطة تنفيذية في أي دولة، تصميم وصياغة سياساتها العامة بمعزل عن مواطنيها، ونموذج تحليل النظم، وهو أحد نماذج تحليل السياسات العامة في علم الإدارة العامة والسياسات العامة، يوضح ببساطة أهمية كفاءة المدخلات للحصول عى مخرجات ذات أثر إيجابي في المدي القصير والطويل.
وهناك النموذج الذي وضعه “ويليام دان” لدورة صنع السياسات العامة، والذي أوضح فيه أنها تمر بعدة مراحل بمثابة حلقة دائرية تتصل ووتكامل فيما بينها، بحيث يؤثر نجاح أو فشل أي مرحلة منها في المراحل اللاحقة. وقد قسم هذه المراحل إلى: مرحلة تحديد الأولويات، وهي تعد مرحلة التوصيف للمشكلات وتقسيمها من حيث أولويتها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ثم مرحلة وضعها في أجندة أو خطة أو استراتيجية، وذلك وفق المدى الزمني الذي حددته الحكومة للتنفيذ، وما إذا كانت خطة زمنية في المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، ثم مرحلة صياغة السياسات العامة، ثم تأتي مرحلة تنفيذ السياسات، ويليها، بل أحياناً يتوازى معها مرحلة تقييم السياسات.
وفي هذا الإطار، قد يتبادر للقاريء تساؤل هام، وهو: من يقوم بتحديد الأولويات، ومن ثم وضع السياسات العامة للدولة؟ هذا التساؤل أجاب عنه علماء ومفكري مدارس السياسات العامة بعدة إجابات، تفاوتت عبر المراحل التاريخية منذ نشاة تحليل السياسات العامة كعلم في خمسينيات القرن الماضي على يد “هارولد لاسويل”، وحتى يومنا هذا في عصر الثورة الصناعية الرابعة.
حيث تطورت من كون الحكومة وحدها التي تقوم بتحديد الأولويات وصياغة السياسات العامة، إلى إشراك فاعلين آخرين في المجتمع مثل القطاع الخاص والنقابات، ووصلاً إلى مفهوم “الشبكات” حيث أصبحت تقع عملية تحديد وترتيب الأولويات على عاتق عدة فاعلين (الحكومة- القطاع الخاص – المجتمع المدني-المواطنين) مع دخول عصر الإدارة العامة الجديدة، وتحول النظرة للمواطن من المواطن المستهلك للخدمة إلى المواطن “العميل” الذي يتم تقديم السلع والخدمات له، باعتباره عنصر هام في عملية صنع القرار.
وأصبح كا من الحكومة والقطاع الخاص يتشاركان معاً، تقديم السلع والخدمات العامة، ولم تعد الحكومة وحدة المسئولة عن تقديم الخدمات العامة. وبالتالي، أصبح المواطن لاعباً رئيسياً وفاعلاً في عملية صنع القرار بمختلف أنواعه سواء كان قراراً سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، من خلال قيامه بالتعبير عن رأيه في أولويات السياسات العامة، عبر القنوات الشرعية المختلفة داخل الدولة، حيث يقوم باختيار ممثليه في السلطة التشريعية من خلال التصويت في الانتخابات، والمشاركة من خلال الأحزاب والنقابات، والمجالس المحلية. كما يقوم القطاع الخاص بمشاركة الحكومة من خلال الاتحادات التجارية والصناعية، ويقوم المجتمع المدني بالمشاركة من خلال تقديم توصياته. وهناك تلعب السلطتين التشريعية والتنفيذية دور هام في قيامهما بتجميع هذه الاطراف معاً في مرحلة ترتيب الاولويات قبل البدء في تصميم سياسة عامة طويلة المدى، أو برنامج حكومي للمدى المتوسط، أو حتى مشروعات قومية للمدى القصير.
ولعل ما يبعث الأمل، ويعطي رسالة طمأنينة على المستوى المجتمعي، أو حتى لقطاعات المجتمع المختلفة، ما تقوم به الحكومة المصرية مؤخراً من إعادة النظر في أولوياتها، وترتيبها بما يتناسب مع المعطيات الجديدة، التي خلفتها الازمات المتلاحقة، بداية من جائحة كورونا، مروراً بتداعيات التغيرات السياسية التي شهدتها مصر على مدار العشر سنوات الاخيرة، وصولاً للآثار التي ترتبت على الحرب الروسية الأوركرانية.
قامت الحكومة المصرية بعدة إجراءات وقرارات -سيتم استعراض أهم هذه الإجراءات والقرارات في مقالات قادمة- استهدفت من خلالها الاستجابة لمطالبات ودعوات الرأي العام، بإعادة ترتيب أولوياتها للسياسات العامة المنفذة، والمخطط لها، بل والبرامج والمشروعات، ولعل إعلان السيد الرئيس عن الدعوة لعمل حوار وطني يضم كافة الاحزاب، والكيانات من الأطياف السياسية المختلفة من ناحية، وكذلك إعلان مجلس الوزراء عن مشروع بحثي، تم إسناده لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، لتجميع آراء الخبراء في كافة المجالات من ناحية أخرى، بمثابة تأكيد عن التغير النوعي، والرغبة الشديدة في إعادة ترتيب الأولويات من أجل وضع أجندة لبرنامج حكومي جديد، مع انتهاء برنامج الحكومة المصرية (2018-2022)، يعكس المشكلات الحقيقة، والتشخيص الكفء للأمراض المجتمعية والأزمات الواقعة، للوصول إلى مرحلة تنفيذ تلقى قبول شعبي إيجابي، ومرحلة تقييم لمخرجات هذه السياسات، تُحدث صدى جيد لدى كل الفاعلين في المجتمع.
وبمعرفة نقطة الضعف والعمل على تصحيحها، يتجدد ويتأكد الأمل، في قدرة الدولة المصرية على مواجهة، وتدارك الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية الطاحنة لكل الحكومات على مستوى العالم، والنجاة من تداعياتها، من أجل استكمال تحقيق أهدافها للتنمية المستدامة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.