حسن البرلسي يكتب | التنافس ووثيقة سياسة ملكية الدولة

0

وثيقة سياسة ملكية الدولة هي أحد المبادرات الاستراتيجية التي أطلقتها الحكومة المصرية في 2022، بهدف تحديد دور الدولة في الاقتصاد المصري. في إطار التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، تسعى الدولة إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام مع تحقيق رؤية مصر 2030. توضح الوثيقة دور الدولة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، بما يضمن تفعيل الدور التنموي للقطاع الخاص، مع الحفاظ على القطاعات الحيوية التي تتطلب التدخل الحكومي المباشر. الوثيقة تمثل خطوة أساسية نحو تغيير هيكل الاقتصاد المصري في سياق التغيرات الاقتصادية العالمية والمحلية، مع تركيز كبير على تعزيز الاستثمار وخلق بيئة اقتصادية شفافة ومستدامة. (وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، 2022).

أهداف وثيقة سياسة ملكية الدولة

كما تسعى وثيقة سياسة ملكية الدولة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، أهمها: تقليل هيمنة الدولة في بعض القطاعات الاقتصادية، وتمكين القطاع الخاص من تولي دور أكبر في الاقتصاد المصري. الوثيقة تهدف إلى استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية وزيادة نمو الاقتصاد الوطني، مع تعزيز الشفافية والحوكمة في إدارة الأصول العامة. من خلال هذه الخطوات، تأمل الحكومة في زيادة مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 30% في عام 2020 إلى 65% بحلول عام 2030. كما تهدف إلى جذب استثمارات تتجاوز 20 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2025، وهو ما يعتبر طفرة في معدلات الاستثمار بالنسبة للاقتصادات الناشئة. (البنك المركزي المصري، 2023).

القطاعات المستهدفة

وتنقسم القطاعات الاقتصادية وفقًا للوثيقة إلى ثلاثة أنواع رئيسية:

1. القطاعات الاستراتيجية: مثل الدفاع والمرافق العامة التي تستدعي وجود الدولة بالكامل لضمان الأمن القومي والتنمية المستدامة.

2. القطاعات التي تشهد شراكة بين القطاعين العام والخاص: التي تتمتع بإمكانية التعاون بين الدولة والمستثمرين المحليين والدوليين، مثل قطاعات الطاقة والنقل.

3. القطاعات التي يمكن للدولة الانسحاب منها تدريجيًا لصالح القطاع الخاص: حيث يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دورًا أكبر في الصناعات والخدمات غير الحيوية، مثل قطاعات الاتصالات والسياحة. (وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، 2023).

وتتضمن الوثيقة تحديثات كبيرة بشأن القطاعات التي ستظل مملوكة للدولة بشكل كامل، مثل قطاع الطاقة النووية، بينما تتيح المجال أمام القطاع الخاص للدخول في مجالات الزراعة والصناعات الغذائية. كما يتوقع أن يتم خصخصة عدد كبير من الشركات الحكومية في مجالات البترول والاتصالات، وهو ما يعكس تحولًا كبيرًا في النظام الاقتصادي المصري في السنوات القادمة.

دور الوثيقة في جذب الاستثمارات

تعمل الوثيقة على خلق بيئة تشريعية وتنافسية تدعم نمو الاستثمارات في الاقتصاد المصري. وبفضل الإصلاحات التي ترافقها، تزداد فرص الاستثمار في القطاعات الاقتصادية المختلفة. طبقًا لتقرير وزارة الاستثمار لعام 2023، أظهرت التعديلات التشريعية في قوانين الاستثمار والشراكات بين القطاعين العام والخاص آثارًا إيجابية على تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث سجلت هذه الاستثمارات نموًا بنسبة 35% في عامي 2022 و2023. على سبيل المثال، شهد قطاع الطاقة المتجددة، الذي أصبح جاذبًا للاستثمارات الأجنبية، ضخ استثمارات تزيد عن 12 مليار دولار بين 2018 و2023. (وزارة الاستثمار المصرية، 2023).

أيضًا، لم تقتصر الوثيقة على تحسين البيئة التشريعية فقط، بل قامت الدولة بتفعيل صندوق مصر السيادي الذي يهدف إلى إدارة الأصول غير المستغلة بشكل أكثر فعالية. من خلال هذا الصندوق، تم طرح شركات مملوكة للدولة للقطاع الخاص في السوق، مما جذب المستثمرين المحليين والدوليين وحقق تغطية تصل إلى 150% من الأسهم المطروحة في 2023. (البورصة المصرية، 2023).

دور الإعلام في تعزيز الوثيقة

يعتبر الإعلام أداة رئيسية في نشر الوعي حول وثيقة سياسة ملكية الدولة، إذ يسهم في توضيح أهدافها وتداعياتها الاقتصادية للمواطنين والمستثمرين. فالإعلام لا يقتصر دوره على نقل المعلومات فقط، بل يساهم في بناء الثقة بين الحكومة والقطاع الخاص، ما يعزز من فرص الاستثمار في السوق المصري. في هذا السياق، تم تنظيم حملات إعلامية لتعريف المواطنين بفرص القطاع الخاص في القطاعات التي كانت تهيمن عليها الدولة، وهو ما ساهم في تسهيل تنفيذ العديد من مشروعات الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص في مجالات مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة.

كما ساعد الإعلام في تعزيز الشفافية المتعلقة بالمشروعات الحكومية، حيث تم عرض العديد من نماذج الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص عبر منصات الإعلام التقليدية والرقمية، مما ساعد في تعزيز الثقة بين المستثمرين المحليين والدوليين.

التحديات التي تواجه الوثيقة

رغم النجاحات الأولية للوثيقة، إلا أن هناك تحديات تواجه تنفيذها على أرض الواقع. أهم هذه التحديات هو التحدي المؤسسي المتمثل في ضرورة تحسين كفاءة إدارة الأصول العامة وزيادة الشفافية في عمليات الطروحات. هذا الأمر يتطلب استثمارات كبيرة في تطوير الهياكل التنظيمية الحكومية والقدرات المؤسسية لضمان التنفيذ الفعال للوثيقة.
كذلك، فإن التغيرات الاقتصادية العالمية مثل التضخم وزيادة أسعار الفائدة، التي تؤثر على المناخ الاقتصادي العالمي، تظل عاملًا غير مؤكد يمكن أن يؤثر على قدرة مصر في جذب الاستثمارات الأجنبية في المدى القريب.
أخيرًا، لا بد من مواجهة التحديات الاجتماعية المرتبطة بالعدالة الاجتماعية، حيث تتطلب الوثيقة توازناً بين توسيع دور القطاع الخاص وتحقيق العدالة في توزيع الفرص الاقتصادية بين مختلف فئات المجتمع. مع تنامي المخاوف من تفاقم الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، يجب أن تضمن السياسات المستقبلية توزيع عادل للثروات والفرص الاقتصادية بحيث لا تستفيد الطبقات العليا فقط من هذه الإصلاحات.

التوصيات والسياسات المستقبلية

لتعزيز نجاح وثيقة سياسة ملكية الدولة، هناك مجموعة من السياسات والتوصيات التي يمكن أن تساهم في تحقيق أهداف الوثيقة على المدى الطويل.
أولًا، يجب زيادة التنسيق بين الأجهزة الحكومية لضمان تنفيذ سياسات الوثيقة على مستوى كافة القطاعات.
ثانيًا، تعزيز الشفافية والمساءلة في عمليات الطروحات الحكومية، من خلال استخدام منصات إلكترونية تتيح للمستثمرين الوصول إلى البيانات والمعلومات الخاصة بالأصول المملوكة للدولة.
ثالثًا، من الضروري أن تستمر الحكومة في تحسين البيئة التشريعية لجذب المزيد من الاستثمارات، عبر تسهيل الإجراءات المتعلقة بالتراخيص والموافقات الحكومية.

أما بالنسبة للعدالة الاجتماعية، يجب أن تتضمن السياسات المستقبلية تعزيز الشراكة الفعالة بين القطاعين العام والخاص في المشاريع التي تُنفذ في المناطق الأقل حظًا من حيث الاستثمار. يجب على الدولة ضمان الاستفادة العادلة من المشاريع الكبيرة من خلال تفعيل برامج المسؤولية الاجتماعية للشركات، مما يعزز فرص التعليم والتوظيف في المناطق الفقيرة. يجب أيضًا إدخال آليات لضمان أن العوائد الاقتصادية لهذه المشاريع تعود بالنفع على جميع فئات المجتمع، خاصة من هم في الطبقات المتوسطة والدنيا.

وأخيرًا، يجب أن تواصل الدولة جهودها في تعزيز الابتكار ودعم الاقتصاد الرقمي كأداة من أدوات النمو المستدام، من خلال تقديم الحوافز للمستثمرين في قطاع التكنولوجيا والابتكار.

خاتمة

في الختام، تعتبر وثيقة سياسة ملكية الدولة خطوة مهمة نحو تطوير الاقتصاد المصري وتحقيق أهداف رؤية مصر 2030. من خلال إعادة هيكلة دور الدولة في الاقتصاد وتعزيز دور القطاع الخاص، تتطلع مصر إلى خلق بيئة اقتصادية تنافسية ومستدامة. ورغم التحديات التي قد تواجه التنفيذ، فإن النجاح في تطبيق الوثيقة سيؤدي إلى نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني ويحقق فوائد اقتصادية واجتماعية على المدى الطويل، مع ضمان توجيه عوائد هذه الإصلاحات إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق التنمية المتوازنة بين كافة فئات المجتمع. (وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، 2022).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.