حسن العاصي يكتب | كيف ينظر الأوروبيون إلى المسلمين؟ (1-2)

0 225

“ليس عليك أو تكون وحشاً أو مجنوناً لتجريد الآخرين من إنسانيتهم. يلزم فقط أن تكون إنساناً عادياً” )عالم النفس البريطاني، أستاذ الفلسفة في جامعة نيو إنجلاند “ديفيد ليفنغستون سميث صاحب كتابي «نزع الصفة الإنسانية وكيفية مقاومتها» عن جامعة أكسفورد عام 2020، وكتابه العاشر «صنع الوحوش: القوة الخارقة لنزع الصفة الإنسانية» الصادر عن جامعة هارفارد عام 2021).
إن العلاقة بين نزع الصفة الإنسانية والعنصرية، وما يعنيه اعتبار الآخرين ليسوا بشراً، وكيف يتحول تجريد الآخرين من إنسانيتهم إلى شيء وحشي للغاية بحيث يجب تدميرهم، أمر يثير الصدمة والرعب. يعتقد البعض أن أعداءهم وحوش وبالتالي يسهل قتلهم ـ كما حصل في رواندا عام 1994 في مذبح الإبادة الجماعية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي. إن تسمية شخص ما بالوحش، ليس مجرد ملجأ إلى الاستعارة – فالتجريد من الإنسانية يحدث بالفعل في أماكن كثيرة في هذا العالم القبيح.

الأغنام السوداء: خلال أزمة اللاجئين في عام 2015، تحدث بعض السياسيون الأوروبيون عن “أسراب” و”نفايات بشرية”. وفي الحملة الرئاسية الأمريكية لعام 2016، تحدث الرئيس ترامب عن “انتشار مرض معدٍ ضخم عبر الحدود”. وفي مناسبة لاحقة، وصف ابنه الجدار سيئ السمعة على طول الحدود المكسيكية بـ “سياج حديقة الحيوانات”. المرشح المحتمل لرئاسة فرنسا اليميني المتطرف “إريك زمور” ذكر أن يرحب باللاجئين الأوكرانيين لأنهم “شعب أوربي مسيحي، وأكثر قرباً للفرنسيين من أمواج المهاجرين من البلدان العربية المسلمة ودول الشرق الأوسط. في سويسرا قام “أولريخ شلوير” المدير المسؤول عن صحيفة “الزمن السويسري” وأحد السياسيين البارزين في حزب الشعب بحملة “الأغنام السوداء” لمنع الهجرة. تصريح رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان” Viktor Urban العنصري هذا العام الذي رفض المجتمع المتعدد، حيث قال “ننتقل إلى أماكن أخرى، نعمل في الخارج، نختلط داخل أوروبا. لكن لا نريد أن نكون عرقًا مختلطًا أو (شعبًا) متعدد الإثنيات” يختلط مع “غير الأوروبيين”.

المسلمون في مرتبة أدنى: أظهر اثنان من الباحثين الرائدين في مجال علم النفس الاجتماعي هما “نور كتيلي” (جامعة نورث وسترن) و”إميل برونو” (جامعة بنسلفانيا)، أن غالبية السكان في كل من الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية يعلنون عن طيب خاطر أن مجموعات الأقليات العرقية والدينية المختلفة في بلدانهم هم “أقل تطوراً” من السكان العرقيين الأصليين. وهذا ينطبق بالتالي على اللاجئين المسلمين في أوروبا، وكذلك المكسيكيين، واللاتينيين، والمسلمين في الولايات المتحدة.

قام الباحثان عام 2019 بكشف تأثير التجريد الصارخ من الإنسانية للتنبؤ بالمواقف والسلوكيات السلبية للجماعة. فعملا على فحص عملية نزع الصفة الإنسانية الصارخة عن اللاجئين المسلمين خلال “أزمة اللاجئين” خلال العامين 2015/2016 بين عينات كبيرة في أربع دول أوروبية: جمهورية التشيك، والمجر، وإسبانيا، واليونان. أشارت النتائج إلى أن تجريد اللاجئين المسلمين الصارخ من إنسانيتهم هو (أ) سائد بين الأوروبيين، و(ب) مرتبط بشكل فريد بالمواقف والسلوك المناهض للاجئين، بما يتجاوز الأيديولوجية السياسية، والتحيز، وذو صلة خاصة بأزمة اللاجئين. كما وجد الباحثان أن تجريد اللاجئين المسلمين من إنسانيتهم بشكل صارخ هو أعلى بكثير ويرتبط بقوة بالسلوك بين المجموعات في دول أوروبا الشرقية (خاصة جمهورية التشيك) منه في إسبانيا واليونان. من خلال دراسة مجموعة من الأهداف الخارجية خارج نطاق اللاجئين، توضح النتائج بشكل أكبر أن التجريد الصارخ من الإنسانية ليس تحيزاً عرقياً محضاً. في حين يشعر الأفراد عبر السياقات بدفء تجاه مجموعتهم أكثر من غيرهم، فإنهم يصنفون العديد من المجموعات الخارجية ذات المكانة العالية على أنها “متطورة بشكل متساوٍ أو كامل وحضاريًا” من الجماعة. يخلص البحث إلى أن نزع الصفة الإنسانية بشكل صارخ يلعب دوراً مهماً ومستقلاً في رفض اللاجئين المسلمين في جميع أنحاء أوروبا.
قياس التجريد من الإنسانية مع “صعود” الأمم… في سلسلة من سبع دراسات، استخدم “كتيلي” وزملاؤه “آدم ويتز” الأستاذ المشارك للإدارة والمنظمات في كيلوغ، و”إميل برونو” من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، و”سارة كوتيريل” من جامعة هارفارد، الرسم التخطيطي المعروف “صعود الإنسان” لتحديد مدى استعداد المشاركين لتجريد الآخرين من إنسانيتهم بشكل صارخ. يعود الرسم التخطيطي، الذي تم تغييره وحتى محاكاته بصورة ساخرة على مر السنين، إلى رسم توضيحي لكتب تايم لايف من الستينيات. يُظهر خمس شخصيات في صورة ظلية تم تصويرهم على أنهم في مراحل مختلفة من التطور الحضاري – من أربعة أرجل منحنية في أقصى اليسار إلى إنسان مستقيم في أقصى اليمين.
في دراساتهم، طلب الباحثون من المشاركين أن يرتبوا حيث تقع المجموعات المختلفة في طيف التطور التطوري. يقول كتيلي: “إنه بالتأكيد مقياس استفزازي”. لكننا أردنا أن نلتقط التجرد من الإنسانية بأوضح العبارات الممكنة ولا لبس فيها. أردنا التأكد من عدم وجود طريقتين لما يحدث” شملت الدراسة الأولى 201 أمريكياً. تم عرض مخطط صعود الرجل على هؤلاء المشاركين على جهاز كمبيوتر به 13 جنسية أو مجموعات عرقية ودينية مختلفة مُدرجة، وطُلب منهم الإشارة إلى “مدى تطور [هم] في اعتبارهم متوسط عدد أفراد كل مجموعة.
قام المشاركون بذلك عن طريق تحريك شريط التمرير الموجود بجوار كل مجموعة إلى أي نقطة على مقياس صعود الرجل. قام الباحثون بتحويل الردود إلى ترتيب رقمي من 0 إلى 100 حيث يمثل 100 أعلى نقطة في التطور، وهي الصورة الظلية المقابلة للإنسان “الكامل”.
في النتيجة احتل الأوروبيون والأمريكيون المرتبة الأولى والثانية بنسبة 91.9 و91.5 على التوالي. كانت ست مجموعات أخرى ضمن نقطتين من ذلك، وبالتالي لا يمكن تمييزها إحصائياً عن الأمريكيين: السويسريون، واليابانيون، والفرنسيون، والأستراليون، والنمساويون، والأيسلنديون. سجلت خمس مجموعات درجات أقل بشكل ملحوظ: الصينيون (88.4)، الكوريون الجنوبيون (86.9)، المهاجرون المكسيكيون (83.7)، العرب (80.9)، والمسلمون (77.6).
يقول كتيلي: “هذه التصورات متطرفة”. “لكنهم لا يقتصرون على الهامش، حيث يقود التأثير شخص أو شخصان. كانت أعداد كبيرة جدًا من الناس على استعداد لنزع الصفة الإنسانية عن الجماعات الأخرى “.
تطبيق التجربة في الدنمارك: أظهرت دراسة دنماركية قامت بها مركز الدنماركي للأبحاث عام 2020، أن الدنماركيين ينظرون إلى المسلمين على أنهم في مرحلة العصر الحجري. تظهر الأبحاث الدولية أن هذا الشكل من التجريد من الإنسانية يولد ضغطاً مضاداً ويمكن أن يؤدي إلى دوامة عنيفة. وهذا موضوع المقال التالي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.