اليوم المجتمع الدولي والمهتمين بحماية البيئة والتنمية المستدامة والاقتصاد على موعد آخر مع أحد التوجهات الاقتصادية البيئية الجديدة، والتي تهدف إلي التوافق أو للوصول إلي المواءمة بين الاقتصاد والبيئة، كما حاول من قبل الاقتصاد الأخضر، أو بمعني آخر مع أحد المفاهيم الجديدة والمتعلقة بعمليات تعزيز النمو الاقتصادي عن طريق الاستخدام المستدام والأمثل للثروات والموارد الطبيعية الموجودة في البحار والمحيطات، ونعني بذلك مفهوم الاقتصاد الأزرق، والذي يعد من الجبهات الجديدة للاستثمار في الموارد المائية، بل يعد من أهم مواضيع التنمية المستدامة، ويهدف إلي الإدارة الجيدة للموارد المائية وحماية البحار والمحيطات بشكل مستدام للحفاظ عليها من أجل الأجيال الحالية والمستقبلية، ويعتبر الاقتصاد الأزرق أيضًا دافعًا لتطوير الآليات والإجراءات التي تدعم الأمن الغذائي، والتنمية المستدامة للموارد المائية؛ ويندرج مفهوم الاقتصاد الأزرق ضمن أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، كما يستند المفهوم إلي حماية واستعادة قاعدة المحيطات، والتي توفر سبل العيش والغذاء للكثيرين في العالم واستدامة الأنشطة الاقتصادية.
كان عالم الاقتصاد البلجيكي جونتر باولي(Gunter Pauli) من أوائل من لفتوا الانتباه إلي أهمية الاقتصاد الأزرق، من خلال كتاب يحمل اسمه وتم نشره في بداية عام ٢٠١٠ وتحت عنوان الاقتصاد الأزرق عشر سنوات، مما كان له أثر كبير وهائل في انتشار مفهوم ومصطلح الاقتصاد الأزرق في العالم، وحاول باولي إقناع رجال الأعمال والمستثمرين بضرورة السعي بتحقيق التنمية الاقتصادية عن طريق الاستفادة من الموارد و المصادر والبدائل المتاحة والمختلفة (البيئية وغير البيئية) عن طريق استخدام الحلول المبتكرة، والبعد عن اتباع الحلول التقليدية وعمليات إنفاق الأموال الطائلة والاستثمارات الضخمة على المشروعات ذات الصفات والأهداف النمطية والمستنزفة للطاقة، ويهدف الاقتصاد الأزرق إلي ضرورة حماية الموارد المائية، بل ويعد من أهم جبهات التجارة الخارجية والداخلية، حيث يوفر للمجتمع كمًا هائلًا من الثروات عن طريق الاستثمار الأمثل في الموارد المائية من جهة، واعتباره بوابة من أهم بوابات نقل البضائع والسلع من جهة أخري، وأدركت مصر أهمية الاقتصاد الأزرق، وارتباطه الوثيق بتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي تنفذها الدولة بخطة ورؤية طموحة، وهو ما يظهر من خلال المشاريع الجارية وحجم الاستثمارات في قطاعات النمو الأزرق المختلفة، وتولي اهتمامًا كبيرًا بدعم مصطلح الاقتصاد الأزرق المستدام، وذلك ضمن الجهود الرامية لمواجهة التغيرات المناخية وسعيها المستمر والقوي نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والعمل على مكافحة التلوث البحري والتلوث بصفة عامة، حيث شهدت البيئة البحرية في الآونة الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في نسب التلوث بكافة أشكاله وخاصة التلوث البلاستيكي الذي يتضمن أنواعًا لا تتحلل وتبقي لآلاف السنين، حيث قدرت كميات المخلفات التي تصل إلي البحار والمحيطات بأكثر من ١٠ ملايين طن سنويًا، وضرورة الحفاظ على التوازن البيئي في البحار والمحيطات، وتعمل الدولة أيضًا على تعزيز الجهود لخفض الانبعاثات الكربونية في قطاع النقل البحري.
خلاصة القول؛ إن ضرورة تنويع اقتصادات البلدان بما يتجاوز الأنشطة البرية وعلي طول سواحلها أمر بالغ الأهمية للسعي نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتحقيق نمو مثالي ومستدام وشامل على الصعيد العالمي، فالقيمة الاقتصادية الرأسمالية للمحيطات عالميًا تقدر بحوالي ١٬٥ تريليون دولار سنويًا، فالبعد الاستراتيجي للاقتصاد الأزرق هو حقيقة لا جدال فيها لدول العالم وبالأخص لدول القارة السمراء، ولذلك تم إدراجه في أجندة إفريقيا ٢٠٦٣ وتم إعداد كتيب عن الاقتصاد الأزرق من قبل لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا في مارس ٢٠١٦.