د.إيمان الشعراوي تكتب |”الإمبراطورية” التي غابت عنها حقوق الإنسان (٢-٢)

0

وفي عام 1938 كانت القوات البريطانية تواجه تمردا في فلسطين التي كانت خاضعة آنذاك للانتداب البريطاني، حيث واجه أهالي قرية البصة الفلسطينية، الوحشية البريطانية عندما جاء الجنود البريطانيون وفتحو مدافع رشاشة، على القرية قبل أن يصل عناصر وحدة إلستر التابعة للجيش البريطاني حاملين مشاعل ليحرقوا المنازل ويسووها بالأرض، وتم اعتقال أهل القرية بينما قامت القوات في وقت لاحق بجمع الرجال في حافلة سارت فوق لغم أرضي، مما أدى إلى مقتل جميع من كانوا على متنها.
إلى الهند التي نهبت خيراتها عشرات السنين واستعبدت شعبها وخرجت منها بعد أن قسمتها وتركتها على حافة حرب أهلية قد تندلع في كل حين، ومن المجازر التي تسببت فيها في الهند مجاعة البنغال عام 1943، حيث لقى ثلاثة ملايين شخص على الأقل حتفهم من الجوع، وهو ما يزيد عن أكثر من ستة أضعاف خسائر الإمبراطورية البريطانية في الحرب العالمية الثانية.
إلى القارة الجديدة المسماه أمريكا والتي أبادت سكانها الأصليين والذي يقدر البعض ضحاياها بعشرات الملايين حتى أنها استخدمت الأمراض والاوبئة لقتلهم بشكل جماعي في أبشع طرق الإبادة بالتاريخ.
وعلى الرغم من بشاعة هذه الانتهاكات إلا أنها جزء بسيط من الفظائع التي ارتكبتها الامبراطورية البريطانية بحق الشعوب المستعمرة، ولك أن تتخيل ما خلفته من جروح ستظل محفورة على رفات أجيال في قبورهم وفي ضميرنا اليوم.
بريطانيا التي تتحدث ليل نهار عن إعلاء القانون في الدول النامية وضرورة احترام حقوق الإنسان، سعت مؤخرًا إلى محو كل الوثائق الخاصة بالجرائم التي ارتكبتها وتدميرها ، حيث نشرت صحيفة «جارديان» البريطانية، مستندات ووثائق سرية تؤكد أن بريطانيا دمرت كل السجلات التي ذكرت جرائم ارتكبتها في المستعمرات التي كانت تحتلها، وقد صرح المؤرخ الذي عُين للإشراف على مراجعة ونقل المستندات، طوني بادجر، الأستاذ بجامعة كامبردج، أن«الكشف عن هذا الأرشيف يضع وزارة الخارجية في موقف محرج وفاضح وأنه كان يجب الكشف عن مثل هذه الوثائق منذ الثمانينيات”.
لذلك فأنه على بريطانيا بوجه خاص والدول الغربية بوجه عام الذين يرفعون راية الحق وهي حقوق الإنسان لتحقيق بها الباطل وهي التدخل في شؤون الدول الأخرى واستخدامها كأداة لممارسة الضغوط السياسية، الاعتذار عن جرائم النهب والسلب وقتل الشعوب في أكثر من قارة وفي أنحاء مترامية من بقاع الأرض وإعادة الأحجار الثمينة والأثرية المنهوبة والمسروقة إلى البلاد التي سحقتها الإمبراطورية .
وأخيرًا يعيد التاريخ نفسه ففي السابق روجت بريطانيا وأوروبا جميعًا، لكذبة مهمة “الرجل الأبيض” في جلب الحضارة والتحديث لـ”الشخص الهمجي”، ودفعت الشعوب التي استعمرتها ثمناً فادحاً من أجل حرياتها واستعادة سيادتها، واليوم ما يزالون يريدون فرض الوصاية والتدخل في شؤوننا تحت راية حقوق الإنسان والديمقراطية… هذه القيم التي انتهكهوها من أجل مصالحهم ونفوذهم وسفكو دماء الملايين من البشر دون وجه حق…فما العمل..؟

* د. إيمان الشعراوي- مدير وحدة الدراسات الأفريقية بمركز المستقبل الإقليمي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.