د. عبدالله عيسى الشريف يكتب | هل نجحت أمريكا في حروبها الماضية؟

0

يتمثل جوهر الاستراتيجية في كونها فن استدعاء/ واستخدام القوة لتحقيق الأهداف المركزية والغايات القومية للدولة- أية دولة- وسط تفاعلات الساحة العالمية، ومقاومة المنافسين والأعداء الحقيقيين والمُحتملين. وبهذا المعني؛ ترتبط الاستراتيجية ارتباطاً وثيقاً باستخدام القوة؛ لأن العالم إذا كان متناغماً، وتمكن الجميع من تحقيق أهدافهم، فلن تكون هناك حاجة إلى نظام عالمي يُركز على إتقان التفاعلات التنافسية وحفظ الأمن والسلم الدوليين، خاصةً في الوقت الحالي الذي يتسم بالمنافسة الشرسة التي يتخللها التهديد بنشوب صراع كارثي ذو عواقب وخيمة على المجتمع الدولي بأسره، فاحتمال نشوب حرب بين الدول النووية أمر حقيقي إلى حد مُخيف.
وعلى الرغم مما سبق، إلا أن الكتاب الصادر في مايو الماضي تحت عنوان “الصناع الجُدد للاستراتيجية الحديثة: من العالم القديم إلى العصر الرقمي”، يُجادل بأن إيمان الكثيرين بالحلول التكنولوجية باعتبارها الطريق الأكيد نحو النصر، هو مسار مشكوك فيه؛ لأن إسقاط القنبلة الذرية على هيروشيما لم يكن السبب الوحيد لإجبار اليابان على الاستسلام في الحرب العالمية الثانية عام 1945، تماماً كما لم تؤدي “الثورة في الشؤون العسكرية” التي نادى بها وأعلنها “دونالد رامسفيلد” إلى تتويج حروب أمريكا بالنصر بعد 11 سبتمبر بسرعة وبشكل حاسم، لأن الإمكانيات الخطيرة للتكنولوجيا لم ولن تستبق عملية صنع القرار البشري.
فالتفضيل الأمريكي للقتال بالطريقة التقليدية جعل الأداء العسكري الأمريكي في ساحة المعركة سيئاً للغاية؛ وعجز عن تغيير الحقائق المُعقدة وغير المتكافئة للحرب، بدءاً من فيتنام وصولاً إلى العراق وأفغانستان. حيث واجهت القيادة الأمريكية تحديات أيديولوجية وجيوسياسية متعددة، ومن المتوقع أن تواجهها الولايات المتحدة في الحرب المحدودة غير المباشرة ضد روسيا في أوكرانيا، وكذا في أربعة عقود من المواجهة مع إيران، ومع كوريا الشمالية المُسلحة نوويًا، فضلاً عن المنافسة النظامية مع الصين الصاعدة لسدة الهيمنة العالمية. ويُشير الكتاب إلى أن المهمة الأمريكية لفرض “الديمقراطية على حد الحراب” تميل إلى تحقيق نتائج مُنخفضة الجودة، خاصةً عندما تتم على عجل، ويكون لدى ما يسمى بـ “الوكلاء” طموحات لا تتوافق مع طموحات رعاتهم الأمريكيين، فمن المُحتم أن يتحول بناء الأمة الذي تم تصوره بشكل خاطئ وسريع إلى حالة من الفوضى، أو في أسوأ الحالات إلى حماقة استراتيجية. فمنطق العنف في الحرب، والعسكرة المُفرطة عيبًا أساسيًا تسببت به الولايات المتحدة في سياستها الخارجية. فالحالات التي يشير إليها الكتاب هي الحروب الطويلة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر، باعتبارها فشلاً استراتيجياً، نظراً للتناقض مع المبادئ المُعلنة للحرب الليبرالية، وهو التعداد غير المتناسب إلى حد كبير لمئات الآلاف من الأشخاص الذين لقوا حتفهم نتيجة لـ (2996) شخصًا قتلوا في نيويورك وواشنطن جراء أحداث 11 سبتمبر 2001.
وبالإضافة إلى الاخفاقات الأمريكية سالفة الذكر، يتطرق الكتاب إلى قضية في غاية الأهمية، وهي مسألة إنهاء الحروب، فإذا كان الشيء الأكثر أهمية في الحرب هو كيف تنتهي؟، فلماذا، منذ الحرب العالمية الثانية، واجهت الولايات المتحدة مثل هذه الصعوبة في إنهاء حروبها؟. ويُجيب الكتاب بأن هناك مشكلة استراتيجية أساسية في الفكر الأمريكي؛ لأن الطريقة التي يتم بها إنهاء الحرب هي التي لها التأثير الأكثر حسمًا على المدى الطويل. وهو ما فشلت به الولايات المتحدة من حيث إنهاء حروبها الحديثة، بجميع أنواعها؛ المحدودة وغير المحدودة، التقليدية وغير النظامية، التدخل الداخلي والعمل السري، في الهزيمة وحتى في النصر. أخذاً في الاعتبار أن إنهاء الحرب لا يعني مجرد نهاية القتال، ولا ينبغي الخلط بين الخروج والسلام. والتاريخ الأمريكي حافل بحروب دخلتها الولايات المتحدة بأوهام القوة وخرجت منها بعار الهزيمة؛ بدءاً من عام 1950 في كوريا، وهي أول حرب معاصرة توقفت فيها الولايات المتحدة عن تحقيق النصر. فبعد تأرجحها في العام الأول للحرب، استمرت المحادثات في العامين التاليين، دون تغييرات كبيرة في الأراضي وتسببت في مقتل نصف القتلى الأمريكيين البالغ عددهم 36000، حتى تم التوقيع على هدنة في أغسطس 1953. وبالنسبة لاتفاق باريس للسلام الذي أنهى القتال الأمريكي في فيتنام، فلم يكن “السلام بشرف” حاضراً ومتحققاً، وقد مهد الإنهاء المُعيب لهذه الحروب المسرح للحربين المطولتين اللتين خاضتهما أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر في أفغانستان والعراق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.